والتركيب يدل على الجمع ومنه القمطر خريطة يجمع فيه الكتب ، واقمطرت الناقة إذا رفعت ذنبها وجمعت قطريها وزمت بأنفها قاله الزجاج: فأصله من القطر وجعل الميم زائدة والظاهر أنها أصلية. وحين أخبر عن أعمال الأبرار وإخلاصهم ذكر ما سيجزيهم على ذلك وأكد تحقيق الوعد بأن عبر عنه بصيغة الماضي قائلا (فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ) أي مكروهه فإن كل ما يشق على النفس وتكرهه فهو شر بالإضافة إليها ، وإن كان خيرا في نفس الأمر مشتملا على الحكم والفوائد كالقصاص وسائر الحدود (وَلَقَّاهُمْ) أعطاهم (نَضْرَةً) في الوجوه (سُرُوراً) في القلوب بدل عبوس الكفرة وحزنهم (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا) على التكاليف أو الإيثار المؤدي إلى إفناء المال المستتبع للجزع (جَنَّةً وَحَرِيراً) أي بستانا فيه مأكل هنيّ ولباسا له منظر بهيّ قال الأخفش والزجاج (مُتَّكِئِينَ) نصب على الحال من مفعول (جَزاهُمْ) وقيل: على المدح. وقيل: حال من الجنة. وضعف لأنه يستدعي إبراز الضمير بأن يقال: متكئين فيها هم. والزمهرير شدة البرد. والأظهر أن الميم والهاء أصليتان لعدم النظير لو جعل أحدهما زائدا ، والمعنى أن هواءها معتدل. وفي الحديث «هواء الجنة سجسج لا حر ولا قر». وعن ثعلب أن الزمهرير هو القمر بلغة طي واشتقاقه من الزهر ، والمراد أن الجنة لضيائها لا تحتاج إلى شمس ولا قمر. قوله (وَدانِيَةً) ذكر الأخفش والكسائي والفراء والزجاج أنه معطوف على (مُتَّكِئِينَ) كما تقول في الدار عبد الله متكئا ومرسلة عليه الحجال ، وإن جعلنا قوله (لا يَرَوْنَ) حالا صارت الأحوال ثلاثا والتقدير. وجزاهم متكئين فيها على الأرائك غير رائين فيها هواء مؤذيا ودانية عليهم الظلال. ودخلت الواو في الثالثة للدلالة على الاجتماع كأنه قيل: وجزاهم جنة متكئين فيها على الأرائك جامعين فيها بين البعد عن الحر والبرد وبين الدنو من الظلال. ويجوز أن يكون (دانِيَةً) معطوفا على (جَنَّةً) لأنهم وصفوا بالخوف. وقد قال سبحانه (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) [الرحمن: ٤٦] والتقدير: وجزاهم جنة أخرى دانية عليهم ظلالها. وقوله (لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً) من باب «علفتها تبنا وماء باردا» وذلك لأن الزمهرير لا يرى أي ولا ينالون زمهريرا وإن أريد بالشمس نكاية شعاعها وحرها فمعنى لا يرون لا ينالون ، ولا يخفى أن هذا الظل ليس بالمعنى المصطلح في الدنيا وهو الضوء النوراني فإنه لا شمس هناك ، فمعنى دنو الظلال أن أشجار الجنة خلقت بحيث لو كان هناك شمس لكانت تلك الأشجار قريبة الظلال على أهل الجنة وقد أكد هذا المعنى بقوله (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً) أي لا تمتنع على قطافها كيف شاؤا. وقال ابن قتيبة: ذللت أي أدنيت من قولهم «حائط ذليل» إذا كان قصيرا قال البراء ابن عازب: من أكل قائما لم يؤذه ، ومن أكل جالسا ومضجعا أمكنه. وحين وصف طعامهم