ولباسهم ومسكنهم واعتدال هوائه وكيفية جلوسهم فيه أخبر عن شرابهم وقد ذكر الأواني. ومعنى قوارير من فضة أن جنس الآنية من الفضة إلا أن تلك الفضة في صفاء القوارير وشفافتها حتى يرى باطنها من ظاهرها ، وإذا كانت قوارير الدنيا وأصلها من الحجر في غاية الصفاء والرقة بحيث تحكي ما في جوفها فما ظنك بقوارير الجنة وأصلها من الفضة؟ ومعنى كانت كما مر في قوله (كانَ مِزاجُها كافُوراً) وقال في الكشاف: هو من قوله (كُنْ فَيَكُونُ) [يس: ٨٢] أي تكونت قوارير بتكوين الله والمراد تفخيم تلك الخلقة العجيبة الجامعة بين صفتي الجوهرين المتباينين. والضمير في (قَدَّرُوها) إما لأهل الجنّة أي إنها جاءت كما قدروا في أنفسهم حسب شهوتهم وحاجتهم ، وإما للطائفين أي قدروا شرابها على مقدار ري كل أحد من غير زيادة ونقصان. وقريب منه قول مجاهد: لا تنقص ولا تفيض. وقال الربيع بن أنس: إن تلك الأواني تكون مقدار ملء الكف لم تعظم فيثقل حملها. قوله (وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً) أي في الجنة إناء مملوأ من الخمر ، ويجوز أن يكون الضمير للأواني ، والكأس الخمر نفسها والعرب تحب طعم الزنجبيل في المشروب وتستلذه ولذلك وصف الله مشروبهم في الآخرة بذلك. قال ابن عباس: وكل ما ذكر الله في القرآن مما في الجنة فليس منه في الدنيا إلا الاسم. أما السلسبيل فقد قال ابن الأعرابي: لم أسمعه إلا في القرآن. وقال الأكثرون اشتقاقه من السلاسة. يقال شراب سلسل وسلسال وسلسبيل أي عذب سهل المساغ فكأن الباء واللام زيدتا للمبالغة حتى صارت الكلمة خماسية. ويرد عليه أن الباء ليست من حروف الزيادة. قال الزجاج: السلسبيل في اللغة صفة لما كان في غاية السلاسة. والفائدة في تسميتها بالسلسبيل بعد تسميتها بالزنجبيل هي أنها في طعم الزنجبيل ولذته ولكن ليس فيها اللذاع الذي هو مناف للسلاسة. وقد نسب إلى علي بن أبي طالب عليهالسلام أن معناه سل سبيلا إليها. ووجه أن صحت الرواية بأنها حينئذ جملة سميت بها مثل «تأبط شرا» وسبب التسمية في الأصل أنه لا يشرب منها إلا من سأل إليها سبيلا بالإيمان والعمل الصالح. وفي بعض شعر المتأخرين:
سل سبيلا فيها إلى راحة النف |
|
س براح كأنها سلسبيل |
والظاهر منع صرفه للعملية والتأنيث ولكن لم يقرأ به إلا في الشواذ والمتواترة التنوين ، ووجهه ما مر في سلاسلا على أن رعاية المشاكلة أولى لكونه رأس آية. ثم وصف خدمهم بقوله (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) ويجوز أن يكون هذا بيانا للطائفين في قوله (وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ) وقد صرح به في الواقعة وزاد هاهنا أن شبههم في حسنهم وصفائهم وبقائهم وتفرقهم في المجلس لأصناف الخدمة باللؤلؤ المنثور. يحكى أن المأمون ليلة زفت إليه بوران بنت الحسن بن سهل وهو على بساط منسوج من ذهب وقد نثرت عليه