كقوله (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً) [النساء: ١١٧] روى النعمان بن بشير أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «الدعاء العبادة» وقرأ هذه الآية. وجوّز آخرون أن يكون الدعاء والاستجابة على ظاهرهما ، ويراد بعبادتي دعائي لأن الدعاء باب من العبادة يصدّقه قول ابن عباس: أفضل العبادة الدعاء. وقد مرّ تحقيق الدعاء في سورة البقرة في قوله (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ) [الآية: ١٨٦] وقد فسره ابن عباس بمعنى آخر قال: وحدوني أغفر لكم. وفي الدعاء. قال جار الله: وهذا تفسير للدعاء بالعبادة ثم للعبادة بالتوحيد. ومعنى (داخِرِينَ) صاغرين. وقال أهل التحقيق: كل من دعا الله وفي قلبه مثقال ذرة من المال والجاه وغير ذلك فدعاؤه لساني لا قلبي ولهذا قد لا يستجاب لأنه اعتمد على غير الله. وفيه بشارة هي أن دعاء المؤمن وقت حلول أجله يكون مستجابا البتة لانقطاع تعلقه وقتئذ عما سوى الله. ثم إنه تعالى ذكر نعمته على الخلائق بوجود الليل والنهار وقد مر نظير الآية مرارا ولا سيما في أواخر «يونس» وأواسط «البقرة». وكرر ذكر الناس نعيا عليهم وتخصيصا لكفران النعمة بهم من بين سائر المخلوقات. وأما وجه النظم فكأنه يقول: إني أنعمت عليك بهذه النعم الجليلة قبل السؤال فكيف لا أنعم عليك بما هو أقل منه بعد السؤال؟ ففيه تحريض على الدعاء. وأيضا الاشتغال بالدعاء مسبوق بمعرفة المدعوّ فلذلك ذكر في عدّة آيات دلائل باهرة من الآفاق والأنفس على وحدانيته واتصافه بنعوت الكمال. قوله (ذلِكُمُ اللهُ) إلى قوله (إِلَّا هُوَ) قد مر في «الأنعام». قوله (كَذلِكَ يُؤْفَكُ) أي كل من حجد بآيات الله ولم يكن طالبا للحق فإنه مصروف عن الحق كما صرفوا. قوله (فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) كقوله (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) [الإسراء: ٧٠] (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين: ٤] قوله (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) إما استئناف مدح من الله تعالى لنفسه ، وإما بتقدير القول أي فادعوه مخلصين قائلين الحمد لله. قوله (لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ) شامل لأدلة العقل والنقل جميعا. قوله (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) متعلق بمحذوف أي ثم يبقيكم لتبلغوا وكذلك لتكونوا. وأما قوله (وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى) فمتعلق بفعل آخر تقديره ونفعل ذلك لتبلغوا أجلا مسمى هو الموت أو القيامة ، ورجاء منكم أن تعقلوا ما في ذلك من العبر.
وحيث انجر الكلام إلى ذكر الأجل وصف نفسه بأن الإحياء والإماتة منه ، ثم أشار بقوله (فَإِذا قَضى) إلخ إلى نفاذ قدرته في الكائنات من غير افتقار في شيء ما إلى آلة وعدّة. وأشار إلى أن الإحياء والإماتة ليسا من الأشياء التدريجية ولكنهما من الأمور الدفعية المتوقفة على أمر كن فقط ، وذلك أن الحياة تحصل بتعلق النفس الناطقة بالبدن ، والموت يحدث من قطع ذلك التعلق ، وكل من الأمرين يحصل في آن واحد. ويمكن أن