يكون فيه إشارة إلى خلق الإنسان الأوّل وهو آدم كقوله (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران: ٥٩] ثم عاد إلى ذم المجادلين وذكر وعيدهم قائلا (أَلَمْ تَرَ) الآية والكتاب القرآن. وما أرسل به الرسل سائر الكتب. وقوله (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) ليس كقول القائل: سوف أصوم أمس. بناء على أن سوف للاستقبال وإذ للمضي ، لأن «إذ» هاهنا بمعنى «إذا» إلا أنه ورد على عادة أخبار الله نحو (وَسِيقَ) [الزمر: ٧٣] (وَنادى) [الأعراف: ٤٨] وقال المبرد: إذ صارت زمانا قبل سوف لأن العلم وقع منهم بعد ثبوت الأغلال. والمعنى علموا من الأغلال الذي كانوا أو عدوه من بعد أن حق بالوجود. ومعنى (يُسْجَرُونَ) قال جار الله: هو من سجر التنور إذا ملأه بالوقود ، ومعناه أنهم في النار فهي محيطة بهم وهم مسجورون بها مملوءة أجوافهم منها. والحاصل أنهم يعذبون مرة بالماء الشديد الحرارة ومرة بالنار. وقال مقاتل: في الحميم يعني في حر النار (ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ) على سبيل التوبيخ (أَيْنَ ما كُنْتُمْ) «ما» موصولة مبتدأ و «أين» خبرها. ومعنى (ضَلُّوا) غابوا وضاعوا ولم يصل إلينا ما كنا نرجوه من النفع والشفاعة ، وأكدوا هذا المعنى بقوله (بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً) يعتدّ به كما تقول: حسبت أن فلانا شيء فإذا هو ليس بشيء أي ليس عنده خير. ومن جوّز الكذب على الكفار لم يحتج إلى هذا التأويل وقال: إنهم أنكروا عبادة الأصنام. ثم قال (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ) قالت الأشاعرة: أي عن الحجة والإيمان. وقالت المعتزلة: عن طريق الجنة بالخذلان. وقال في الكشاف: أي مثل ضلال آلهتهم عنهم يضلهم عن آلهتهم حتى لو طلبوا الآلهة أو طلبتهم الآلهة لم يجد أحدهما الآخر. واعترض عليه بأنهم مقرونون بآلهتهم في النار لقوله (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) [الأنبياء: ٩٨] والجواب أن كون الجميع في النار لا ينافي غيبة أحدهما عن الآخر. وأجاب في الكشاف باختلاف الزمان وبتفسير الضلال بعدم النفع. (ذلِكُمْ) العذاب بسبب ما كان لكم من الفرح والمرح أي النشاط (بِغَيْرِ الْحَقِ) وهو الشرك وعبادة الصنم. ويجوز أن يكون القول محذوفا أي يقال لهم ادخلوا أبواب جهنم السبعة المقسومة لكل طائفة مقدّرين الخلود فيها (فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) يعني الذين مر ذكرهم في قولهم إن في صدوركم إلّا كبر والمخصوص بالذم محذوف وهو مثواكم أو جهنم. قال جار الله: إنما لم يقل «فبئس مدخل المتكبرين» حتى يكون مناسبا لقوله (ادْخُلُوا) كقولك: زر بيت الله فنعم المزار. لأن الدخول المؤقت بالخلود في معنى الثواء. وحين زيف طريقة المجادلين مرة بعد مرة أمر رسوله بالصبر على إيذائهم وإيحاشهم إلى إنجاز الوعد بالنصرة قال (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) من عذاب الدنيا فذاك (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) هذا التقدير ذكره جار الله ، وقد مر في «يونس» مثله.