موجود في الشعر. الخامس أن الإبل إذا نفرت وشردت متتابعة نال من وقع فيما بينها بلاء شديد. فتشبيه الشرر بها يفيد كمال الضرر والطراف ليس كذلك. السادس أن القصر يكون أعظم غالبا من الطراف والجمالات وهي جمع الجمع تكون أكثر عددا من الطراف والغرض التوكيد فيكون تشبيه القرآن أبلغ في المعنى المقصود. السابع أن التشبيه بشيئين كالقصر والجمالات في إثبات الوصفين كالعظم والصفرة أقوى في ثبوت الوصفين من التشبيه بشيء واحد للوصفين بعينهما ، لأن الأول كالمبين المفصل ، والثاني كالمجمل المبهم إذ يحتمل أن يكون وجه التشبيه واحدا منهما فقط. الثامن أن الإنسان إنما يكون طيب العيش إذا كان وقت الانطلاق راكبا ووقت النزول راقدا في الظل فكأنه قيل في الآية على سبيل التهكم مركوبكم هذه الجمالات من الشرر وظلكم في مثل هذا القصر ولو شبه بالطرف لم يحصل هذا المقصود. التاسع أن تطاير القصر وهو من اللبن والحجر والخشب في الهواء أغرب من تطاير الخيمة وهي خفيفة الحجم. العاشر أن سقوط القصر أفظع وأهول من سقوط الطراف هذه خلاصة كلام الإمام في هذا المقام أوردناها لئلا يكون كتابنا خاليا من فوائد تفسيره. قوله (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ) يروى أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس عن الجمع بين هذه الآية وبين نحو قوله (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) [الزمر: ٣١] فأجاب بتغاير الزمانين وتباين الموطنين. وقال الحسن: أراد لا ينطقون بحجة صحيحة وعذر واضح فكأنهم لم ينطقوا ولم يعتذروا. قوله (وَلا يُؤْذَنُ) إنما لم يقل «فيعتذروا» بسقوط النون للنصب كقوله (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) [فاطر: ٣٦] لأنه لو نصب لأوهم أنهم إنما لم يعتذروا لأجل أنهم لم يؤذوا في الاعتذار ولولا المنع لاعتذروا وهذا غير جائز ، ولكن المراد أن لا عذر لهم في نفس الأمر كما لا إذن فالفاء لمطلق النسق لا للتسبب. هذا مع أنه فيه رعاية الفاصلة وهي من جملة الفصاحة اللفظية ، ولهذا لم يقرأ في سورة «اقتربت» (إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ) [الآية: ٦] لا مثقلا. وقريء قوله في آخر «الكهف» و «الطلاق» (عَذاباً نُكْراً) [الآية: ٨] بالوجهين قالوا: وإنما لم يؤذن لهم في الاعتذار لأنه سبحانه أزاح الاعتذار في الدنيا بتقديم الإنذار بدليل قوله (فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً عُذْراً أَوْ نُذْراً) ولهذا قال في آخر هذا الأخبار (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) ثم أشار لمزيد التهديد والتوبيخ إلى اليوم المذكور بقوله (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ) ثم أوضح هذه الجملة بقوله (جَمَعْناكُمْ) أيها المتأخرون (وَالْأَوَّلِينَ) لأن الفصل بين الخلائق لا يجوز إلا بإحضار الكل. وقد يستدل به على عدم جواز القضاء على الغائب. ثم عجزهم وحقر أمرهم بقوله (فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ) وقد علم أنه لا حيلة لهم في رفع البلاء عن أنفسهم يومئذ كما كانوا يحتالون في الدنيا يؤذون بذلك أنبياء الله وأولياءه ، وهذا التعجيز