والتخجيل من جنس العذاب الروحاني فلهذا عقبه بقوله (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) ثم زاد في حسرتهم وغمهم بتعديد ما أعد للمطيعين المتقين من الظلال والعيون والفواكه بدل ظلالهم التي لا روح فيها ولا تغني عن الحر والعطش ، استقروا في تلك النعم مقولا لهم (كُلُوا وَاشْرَبُوا) وهو أمر إكرام لا أمر تكليف وهذا أيضا من جنس العذاب الروحاني بالنسبة إلى الكافرين حين يرون الذين اتقوا الشرك في النعيم المقيم ولذا أردفه بقوله (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) ثم ذكر أن هذا الويل ثابت لهم في حال ما يقال في الآخرة (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا) قال جار الله: هذا في طريقة قول القائل:
إخوتي لا تبعدوا أبدا |
|
وبلى والله قد بعدوا |
أي كنتم أحقاء في حياتكم بأن يدعى لكم بهذا ، وفيه توبيخ وتذكير بحالهم السمجة وبما جنوا على أنفسهم من إيثار المتاع القليل على النعيم المقيم ، وعلل ذلك بكونهم مجرمين إيعادا لكل مجرم ، وجوز أن يكون (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا) كلاما مستأنفا خطابا للمكذبين في الدنيا. ثم ذمهم على ترك الخشوع والتواضع لله بقبول وحيه. وقيل: ما كان على العرب أشد من الركوع والسجود. يروى أن وفد ثقيف أمرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالصلاة فقالوا: لا ننحني أي لا نركع ولا نسجد فإنها مسبة علينا. فقال صلىاللهعليهوسلم: لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود. وأنزل الله الآية. ثم ختم السورة بالتعجب من حال الكفار وإصرارهم على جهالاتهم وضلالاتهم بعد القرآن وبياناته وقد مر في أول «الجاثية» نظيره والله أعلم. تم.
تم الجزء التاسع والعشرون ويليه الجزء الثلاثون وأوله تفسير سورة النبأ