فيم أنت من العلم بها. ويحتمل أن يكون فيم إنكار سؤالهم أي فيم هذا السؤال. ثم قيل: أنت من ذكراها أي إرسالك وأنت آخر الرسل وخاتم الأنبياء ذكر من أذكارها وعلامة من علاماتها فلا حاجة إلى الاستفهام عن وقتها بعد العلم باقترابها ، فإن هذا القدر من العلم يكفي في وجوب الاستعداد لها بل لا يتم الغرض من التكليف إلا بإخفاء وقته كالموت (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ) لا تتعداه إلى العلم بالغيب الذي العلم بالساعة جزئي منه. وخص الإنذار بأهل الخشية لأنهم المنتفعون بذلك. ثم أخبر أنهم حين يرون الساعة يستقصرون مدّة لبثهم في الدنيا. وقيل: في القبور. روى عطاء عن ابن عباس أن الهاء والألف صلة والمعنى لم يلبثوا إلا عشية أو ضحى. وقال النحويون: فيه إضمار والتقدير إلا عشية أو ضحى يوم تلك العشية على أن الإضافة في (ضُحاها) يكفي فيها أدنى ملابسة وهو هاهنا اجتماعهما في نهار واحد. قال صاحب الكشاف: فائدة الإضافة الدلالة على أن مدة لبثهم كانها لم تبلغ يوما كاملا. قلت: سلمنا أن هذه الفائدة مفهومة من عبارة القرآن إلا أنها تحصل أيضا بتقدير عدم الإضافة كما لا يخفى فلا يصح أن تسند الفائدة إلى الإضافة وحدها. فالوجه أن يقال: فائدة الإضافة أن يعلم أن مجموع مدة الدنيا في ظنهم كيوم واحد وزمان لبثهم في الدنيا كساعة منه عشية أو ضحاها نظيره قول القائل «ما سرت إلا عشية أو ضحى» فإنه لا يفهم منه إلا السير في بعض يوم ما ، وقد تكون العشية من يوم والضحى من يوم آخر. ولو قال «إلا عشيته أو ضحاها» لم يمكن أن يكون السير إلا في أحد هذين الوقتين من يوم واحد. قال بعضهم: فائدة الترديد أن زمان المحنة يعبر عنه بالعشية وزمان الراحة يعبر عنه بالضحى فكأنه قيل: ما كان عمرنا في الدنيا إلا هاتين الساعتين. أقول: ويحتمل أن يقال إن مبدأ اليوم بليلته كان قبل شرعنا في أكثر الأديان من نصف النهار وقد صار المبدأ في شرعنا من أول الفجر وكأنهم حين أرادوا التعبير عن بعض اليوم. قالوا: إن كان المبدأ من نصف النهار فنحن لم نلبث إلا عشية وهو ما بعد الزوال إلى الغروب ، وإن كان المبدأ من أول الفجر فلم نلبث إلا من الفجر إلى الضحى فلعل هذا هو السر في تقديم العشية على الضحى مع رعاية الفاصلة والله أعلم بأسرار كلامه.