فيما يجيء بإضمار دحى وأرسى على شريطة التفسير. قال المفسرون: أراد بالمرعى جميع ما يأكله الناس والأنعام فيكون الرعي مستعارا للإنسان ولهذا قال (مَتاعاً) أي فعل كل ذلك تمتيعا لكم ولأنعامكم. وحين فرغ من دلائل القدرة على البعث رتب عليه شرح يوم القيامة. والطامة الداهية التي لا تطاق من قولهم طم الفرس طميما إذا استفرغ جهده في المشي والجري فإذا وصفت بالكبرى كانت في غاية الفظاعة ونهاية الشدّة ، وفي أمثالهم «جرى الوادي فطم على القري» وهو مفرد وجمعه أقرية وقريان وهي الجداول والأنهار. وأصل الطم الدفن والغلب فكل ما غلب شيئا وقهره وأخفاه فقد طمه. وقيل: الطامة النفخة الثانية عن الحسن. وقيل: هي الساعة التي يساق بها أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار. قال جار الله: (يَوْمَ يَتَذَكَّرُ) بدل من (فَإِذا جاءَتِ) لأنه إذا رأى أعماله مدوّنة مكتوبة تذكرها وكان قد نسيها. قوله (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى) كقولهم «قد بين الصبح لذي عينين» وهو مثل في الأمر المنكشف الذي لا يخفى على أحد فعلى هذا يكون استعارة ولا يجب أن يراها كل أحد لأن الإخبار إنما وقع عن كونها بحيث لا تخفى على ذي بصر لا عن وقوع البصر. وقيل: إنها برزت الجحيم ليراها كل من له بصر وعلى هذا يجب أن يراها كل أحد إلا أن المؤمنين يمرون عليها كالبرق الخاطف ، وأما الكافرون فيقعون فيها فكأنها برزت لأجلهم فقط ، وبهذا الاعتبار قال في موضع آخر. (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ) [الشعراء: ٩١] وقوله (طَغى) إشارة إلى فساد القوى النظرية فإن من عرف الله بالكمال عرف نفسه بالنقصان فلم يصدر عنه الطغيان. قوله (وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا) رمز إلى اختلال القوّة العملية فإن حب الدنيا رأس كل خطيئة. واللام في (الْمَأْوى) للعهد الذهني أي مأواه اللائق به ولهذا استغنى عن العائد ولا حاجة إلى تكلف أن الألف ، واللام بدل من الإضافة. قوله (خافَ مَقامَ رَبِّهِ) نقيض طغى. قوله (وَنَهَى النَّفْسَ) الأمارة (وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا) فهذا الشخص إذا كامل في قوّته النظرية والعملية. وتفسير (خافَ مَقامَ رَبِّهِ) قد مر في سورة الرحمن. (وَنَهَى النَّفْسَ) ضبطها وتوطينها على متاعب التكاليف من الأفعال والتروك.
ثم إن المشركين كانوا يسمعون النبي صلىاللهعليهوسلم يذكر الطامة والحاقة وغيرهما من أسماء القيامة فيسألون (أَيَّانَ مُرْساها) أي زمان إرسائها وهو إقامة الله إياها وقد مر في آخر «الأعراف». وعن عائشة رضياللهعنها لم يزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يذكر الساعة ويسأل عنها حتى نزلت. وقوله (فِيمَ أَنْتَ) على هذا تعجب من كثرة ذكره لها كأنه قيل: في أي شغل واهتمام أنت من ذكرها والسؤال عنها حرصا على جوابهم إلى ربك منتهى علمها لم يؤته أحدا من خلقه. ويجوز أن يكون قوله (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها) من تتمة السؤال أي يسألونك