والأرض وما بينهما ، فالوجه أن يقال: إن فرعون كان دهريا منكرا للصانع والحشر والجزاء وكان يقول ليس لأحد عليكم أمر ولا نهي سواي فأنا ربكم بمعنى مربيكم والمحسن إليكم. وأقول: كما أن نسبة الإنسان خلق العالم إلى نفسه يوجب الحكم عليه بالجنون وسخافة العقل فالقول بنفي الصانع ونسبة وجود الأشياء إلى ذواتها مع تغيرها في أنفسها يوجب الحكم عليه بعدم العقل فما الفرق بين الأمرين؟ وأيّ استبعاد في ذلك وقد قال الله تعالى (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) [العلق: ٧] وسكر الدنيا أشدّ من سكر الخمر فإن الثمل من الخمر يرجى صحوه والثمل من شراب حب المال والجاه الطافح من خيال الرياسة لا ترجى إفاقته. ثم ختم القصة بقوله (إِنَّ فِي ذلِكَ) الحديث أو النكال وهو في العرف يقع على ما يفتضح به صاحبه ويعتبر به المعتبر (لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى) أي يكون من أهل الخشية لا القسوة. ثم خاطب منكري البعث بقوله (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ) أي أصعب (خَلْقاً أَمِ السَّماءُ) فنبههم على أمر معلوم بالمشاهدة وهو أن خلق السماء أعظم وأبلغ في القدرة. وإذا كان الله قادرا على إنشاء العالم الأكبر يكون على خلق العالم الأصغر بل على إعادته أقدر. ثم أشار إلى كيفية خلق السماء فقال (بَناها) وفيه تصوير للأمر المعقول وهو الإبداع والاختراع بالأمر المحسوس وهو البناء. ثم ذكر هيئة البناء فقال (رَفَعَ سَمْكَها) وهو الامتداد القائم على كل من امتدادي الطول والعرض. فإذا اعتبر من السفل إلى العلو يسمى سمكا ، وإذا اعتبر بالعكس يسمى عمقا. وذكر أهل التفسير أن ما بين كل سماء مسيرة خمسمائة عام. ولأهل الهيئة طريقة أخرى قد برهنوا عليها في كتبهم. قوله (فَسَوَّاها) زعم أصحاب الهيئة أن المراد بهذه التسوية جعلها كرية ولا ضرر في الدين من هذا الاعتقاد. وحملها المفسرون على تمام التأليف أو على نفي الفطور عنها. وأقول: من الجائز أن يراد بها جعلها طبقات مرتبة كقوله (فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) [البقرة: ٢٩] الغطش الظلمة يقال: غطش الليل وأغطشه الله. ويقال: أغطش الليل أيضا مثل أضاء وأظلم. وعبر بالضحى عن النهار لأن الضحى أكمل أجزائه في النور والضوء. وإنما أضاف الليل والنهار إلى السماء لأنهما بسبب غروب الشمس وطلوعها الحادثين بسبب حركة الفلك قوله (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) قد مر تفسير الدحو في أول سورة «البقرة» وأن بعدية دحو الأرض لا تنافي تقدّم خلق الأرض على السماء في قوله (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) [البقرة: ٢٩] قال أهل اللغة: دحوت أدحو ودحيت أدحى لغتان في حديث عليّ: اللهم داحي المدحيات أي باسط الأرضين السبع. وقد يروى عن ابن عباس ومجاهد والسدّي وابن جريج أن قوله (بَعْدَ ذلِكَ) يعنى مع ذلك كقوله (فَكُّ رَقَبَةٍ) إلى قوله (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) [البلد: ١٧] أي كان مع هذا من أهل الإيمان بالله. ونصب (الْأَرْضَ) (وَالْجِبالَ)