«افتعل» و «استفعل» مطاوعين لفعل «اتسع» و «استوسع». أقسم الله سبحانه بجميع ما ضمه الليل وآواه وستره من النجوم والدواب وغيرها. ويمكن أن يكون من جملته أعمال العباد الصالحين. ثم أقسم بالقمر إذا اتسق أي اجتمع نوره وتكامل كما يقال «أمور فلان متسقة» أي مجتمعه على الصلاح كما يقال منتظمة. والطبق ما يطابق غيره ومنه قيل للغطاء «الطبق». ثم قيل للحال المطابقة لغيرها طبق.
وقوله (عَنْ طَبَقٍ) حال من فاعل (لَتَرْكَبُنَ) أو صفة أي طبقا مجاوزا لطبق ، فـ «عن» تفيد البعد والمجاوزة أي حالا بعد حال ، كل واحدة مطابقة لأختها في الشدة والهول. وجوز أن يكون جمع طبقة أي أحوالا بعد أحوال هي طبقات في الشدّة ، فبعضها أرفع من بعض وهي الموت وما بعده من أهوال القيامة كأنهم لما أنكروا البعث أقسم الله سبحانه أن ذلك كائن وأن الناس يلقون بعد الموت شدائد متنوّعة وأحوالا مترتبة حتى يتبين السعيد من الشقي والمحسن من المسيء. وقيل: لتركبن سنة الأولين من المكذبين المهلكين. عن مكحول: كل عشرين عاما تجدون أمرا لم تكونوا عليه. والركوب على هذه التفاسير مجاز عن الحصول على تلك الحالة. وقد يقال على قراءة فتح الباء: إنها صيغة الغائبة والضمير للسماء وأحوالها المختلفة انشقاقها ثم انفطارها ، ولعل هذا كمال الانحراف ثم صيرورتها وردة كالدهان أو كالمهل وهذا القول مناسب لأول السورة وهو مرويّ عن ابن مسعود. وقيل: الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم والمراد أعباء الرسالة وأنه يجب عليه أن يتلقاه بالصبر والتحمل إلى أوان الظفر والغلبة كقوله (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) [آل عمران: ٨٦] وعن ابن عباس وابن مسعود أن المراد حديث الإسراء وأن النبي صلىاللهعليهوسلم ركب أطباق السماء. وبين القسم والمقسم عليه مناسبة لأنه أقسم بتغيرات واقعة في الأفلاك والعناصر على صحة إيجاد سائر التغايير من أحوال القيامة وغيرها ، ولا شك أن القادر على بعض التغايير المعتبرة قادر على أمثالها فلا جرم قال على سبيل الاستبعاد (فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) وتأويل الآية أن النفس إذا استغرقت في بعض المجهولات التصورية والتصديقية كانت المناسبة شبيهة بالشمس الغاربة ، فإذا أقبلت على تحصيل قضية من تلك القضايا المجهولة مثلا تجلى عليها نور من النفس يترجح به عندها أحد طرفي النقيض على الآخر ، لكن ما لم تكن جازمة فذلك النور كالشفق بالنسبة إلى ضياء الشمس ، ثم إذا سبحت في لجة المعلومات لها طالبة للحد الأوسط عرضت هناك شبهة شبيهة بالليل وما وسقه ، فإذا حصل الحدّ الأوسط بالتحقيق وانتقل الذهن منه إلى النتيجة الحقة صارت المسألة كالبدر التم وهو المستفاد ضوءه من النفس الناطقة القدسية التي يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار. و (طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) هي مراتب العلوم النظرية من