المؤمن على ثقة واطمئنان بالوعد ، ويمكن أن يكون إشارة إلى طول الامتداد بين مواقف ذلك اليوم (وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ) من الحور العين في الجنة أو إلى قرنائه من المؤمنين أو إلى عشيرته كقوله (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) [الرعد: ٢٣] ومعنى (وَراءَ ظَهْرِهِ) أن تغل يمناه إلى عنقه ويجعل شماله وراء ظهره ويؤتى كتابه بشماله ومن وراء ظهره. وقيل: تخلع يده اليسرى من وراء ظهره. وقيل: تجعل وجوههم إلى خلف فيكون الكتاب قد أوتي من جانب ظهره ولكن بشماله كما في «الحاقة». والوراء هاهنا بمعنى مجرد الجانب ، أو معنى قدام. والثبور الهلاك ودعاؤه أن يقول «وا ثبوراه». وسمي المواطأة على الشيء مثابرة لأنه كأنه يريد أن يهلك نفسه في طلبه والنفس تمنعه عن ذلك أنه كان أي في الدنيا مسرورا في أهله كقوله (وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ) [المطففين: ٣١] وفيه أن الفرح في الدنيا يعقب الغم في الآخرة لقوله (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً) [التوبة: ٨٢] ومن كان في الدنيا حزينا متفكرا في أمر الآخرة كان حاله في الآخرة بالعكس. والفرح المنهي عنه ما يتولد من البطر والترفه لا الذي يكون من الرضا بالقضاء ومن حصول بعض الكمالات والفضائل النفسية لقوله (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) [يونس: ٥٨] ثم بين أن سروره إنما كان لأجل أن البعث والنشور لم يكن محققا عنده فقال (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) أي أن يرجع إلى الله أو إلى خلاف حاله من السرور والتنعم. عن ابن عباس: ما كنت أدري ما معنى يحور حتى سمعت أعرابية تقول لبنت لها: حوري أي ارجعي. ثم نفى منطوقه بقوله (بَلى) أي بلى يحور. وفي قوله (إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً) إشارة إلى أن العلم التام بأحوال المكلفين يوجب إيصال الجزاء إليهم ، فلا بد من دار سوى دار التكليف وإلا كان قدحا في القدرة والحكمة. قال الكلبي: (كانَ بِهِ بَصِيراً) من يوم خلقه إلى أن بعثه. وقال عطاء: بصيرا بما سبق عليه في أم الكتاب من الشقاء ثم أكد وقوع القيامة وما يتبعها من الأهوال بقوله (فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ) وهو الحمرة الباقية من آثار الشمس في الأفق الغربي قاله ابن عباس والكلبي ومقاتل. وعن الفراء: سمعت بعض العرب يقول: عليه ثوب مصبوغ كأنه الشفق وكان أحمر. وعن أبي حنيفة في إحدى الروايتين أنه البياض ، وأنه روى أنه رجع عنه لأن البياض يمتد وقته فلا يصلح للتوقيت ، ولأن التركيب يدل على الرقة ومنه الشفقة لرقة القلب. ثم إن الضوء يأخذ من عند غيبة الشمس في الرقة والضعف. وعن مجاهد أن الشفق هاهنا النهار لما في النور من الرقة واللطافة كما أن في الظلمات الغلظ والكثافة ، لأن القسم بالنهار يناسب القسم بالليل في قوله (وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ) والتركيب يدل على الاجتماع والضم ومنه الوسق لأنه جامع لستين صاعا. واستوسقت الإبل إذا اجتمعت وانضمت ، وقد وسقها الراعي أي جمعها ونظيره في وقوع