محض الفضل والعناية منه تعالى ، أو لأنه قال في ذلك كبرا وافتخارا وتكاثرا ، أو لأن هذا القول يشبه قول من لا يرى السعادة إلا في اللذات العاجلة ، أو قول من غفل عن الاستدراج والمكر. ويحتمل أن يتوجه الذم على مجموع الأمرين من حيث المجموع حتى لو قال في البسط «أكرمني» تحدثا بنعمة الله ، وفي القبض لم يقل «أهانني» بل قال «الحمد لله على كل حال» لم يكن مذموما. ثم ردع الإنسان عن تلك المقالة بقوله (كَلَّا) أي لم أبتله بالغنى لكرامته عليّ ولا بالفقر لهوانه لديّ ولكنهما من محض المشيئة ، أو على حسب المصالح. ثم نبه الإضراب في قوله (بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) على أن هناك شرا من ذلك وهو أنه يكرمهم بكثرة المال ثم لا يؤدّون حق الله فيه. وعن مقاتل: كان قدامة بن مظعون يتيما في حجر أمية بن خلف وكان يدفعه عن حقه فنزلت. والتراث أصله الوراث نحو تجاه ووجاه. واللم الجمع الشديد ومنه كتيبة ملمومة مصدر جعل نعتا أي أكلا جامعا بجميع أجزائه كقوله (وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً) [النساء: ٦] وقال الحسن: أي يجمعون نصيب اليتامى إلى نصيبهم كقوله (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) [البقرة: ٨٨] وقيل: جامعا بين حلال ما جمعه الميت وبين حرامه. وقيل: جامعا بين ألوان المشتهيات من الأطعمة والأشربة اللذيذة والملابس الفاخرة كما يفعل أهل البطالة من الورّاث. والجم الكثير جم الماء وغيره يجم جموما إذا كثر جامّ ، وجمّ نهي عن التهالك. والشره على جمع المال. وفي وصف الحب بالجم دلالة على أن حب المال وتعلق القلب بتحصيل ما يسدّ الخلة منه غير مكروه بل مندوب إليه لبقاء نظام العالم على أن كل السلامة وجل الفراغ في الترك كما هو دأب المتوكلين.
إن السلامة من ليلى وجارتها |
|
أن لا تمر على حال بواديها |
ولا ينبئك مثل خبير. ثم ردعهم عن الفعل المذكور وذكر تحسر المقصر في طاعة الله يوم القيامة. وجواب «إذا» محذوف بعد (صَفًّا) أو بعد قوله (بِجَهَنَّمَ) ليذهب الوهم كل مذهب أي كان ما كان من الأهوال. ثم استؤنف (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ) أو عطف على ما قبله ويوقف على هذا التقدير على قوله (بِجَهَنَّمَ) ويكون (يَوْمَئِذٍ) الثانية متعلقا بما بعده ، ويجوز أن يكون «إذا» منصوبا بـ (يَتَذَكَّرُ) و (يَوْمَئِذٍ) الثانية بدل منه. ومعنى (دَكًّا دَكًّا) دكا بعد دك كما قيل في «لبيك» أي كرر عليها الدك حتى صارت هباء منبثا. وقال المبرد: استوت في الانفراش فذهب دورها وقصورها وجبالها وقلاعها حتى تصير قاعا صفصفا ، ولعل هذا الذي بعد الزلزلة. قوله (وَجاءَ رَبُّكَ) أي أمره بالجزاء والحساب أو قهره أو