دلائل قدرته. ويجوز أن يكون تمثيلا لهول ذلك اليوم كما إذا حضر الملك بنفسه وجنوده كان أهيب وتنزل ملائكة كل سماء (صَفًّا صَفًّا) أي مصطفين صفوفا مرتبة. يروى أنها لما نزلت تغير وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى اشتد على أصحابه فجاء علي رضياللهعنه فاحتضنه وقبل عاتقه ثم قال: يا نبي الله بأبي أنت وأمي ما الذي حدث اليوم حتى غيرك؟ فتلا عليه الآية. فقال له عليّ: كيف يجاء بجهنم؟ قال: يجيء بها سبعون ألف ملك يقودونها بسبعين ألف زمام فتشرد شرارة لو تركت لأحرقت أهل الجمع. قال الأصوليون: معنى جيء بجهنم برزت وأظهرت فإن جهنم لا تنتقل من مكان إلى مكان. قوله (وَأَنَّى لَهُ) أي ومن أين له منفعة (الذِّكْرى) ثم فسر التذكر وإنما قدرنا المضاف احترازا من التنافي وإلا فلا وجه للإستفهام الإنكاري بعد إثبات التذكر بأنه يقول (يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ) خيرا أو عملا صالحا (لِحَياتِي) هذه وهي الحياة الأخيرة ، أو اللام بمعنى الوقت أي وقت حياتي في الدنيا. وقد يرجح هذا الوجه لأن أهل النار لا حياة لهم في الحقيقة كما قال (لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) [الأعلى: ١٣] ويمكن أن يجاب بأن الحياة المضاهية للموت أو التي هي أشدّ من الموت حياة أيضا ، وبأن حياة الآخرة يراد بها البقاء المستمر الدائم وهذا المعنى شامل لأهل النار ولأهل الجنة جميعا. قالت المعتزلة: في هذا التمني دليل واضح على أن الاختيار كان زمامه بيده ، ويحتمل أن يجاب بأن استحالة متمناه قد تكون من جهة أن الأمر في الدنيا لم يكن إليه فيتحسر على ذلك. وقال في التفسير الكبير: فيه دليل على أن قبول التوبة لا يجب عقلا. ويرد عليه أنه لا يلزم من عدم قبولها في الآخرة عدم قبولها في دار التكليف كإيمان اليأس. من قرأ (لا يُعَذِّبُ وَلا يُوثِقُ) على البناء للفاعل فمعناه على ما قال مقاتل: لا يعذب عذاب الله أي عذابه أحد من الخلق. ضعف بأن يوم القيامة لا يعذب أحد سوى الله فلا يتصور لهذا النفي فائدة. وأجيب بأن المراد لا يتولى يوم القيامة عذاب الله أحد لأن الأمر يومئذ لله وحده ، أو لا يعذب أحد في الدنيا ولا يوثق مثل عذاب الله الكافر ومثل إيثاقه إياه في الشدّة والإيلام. وقال أبو علي الفارسي: تقديره لا يعذب أحد من الزبانية أحدا مثل عذاب هذا الإنسان وهو أمية بن خلف ، ولا يوثق بالسلاسل والأغلال مثل وثاقه لتناهيه في كفره وفساده. ومن قرأ بناء الفعل للمفعول فيهما فظاهر. والضمير في (عَذابَهُ) و (وَثاقَهُ) للإنسان. ويمكن أن يراد لا يحمل عذاب الإنسان أحد كقوله (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الأنعام: ١٦٤] قال الواحدي: وهذا أولى الأقوال. ثم ذكر بشارة الأبرار وهو أن يقول للمؤمن بذاته أو على لسان ملك (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) أي بذكر الله أو بتحصيل الأخلاق الفاضلة والعقائد الصحيحة التي تسكن النفس السليمة إليها (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ) إلى حيث لا مالك سواه أو إلى ثوابه (راضِيَةً) بما حكم عليك وقدر لك (مَرْضِيَّةً) عند الله