للوصول إلى المرتبة الرابعة في العلم والعمل ، ثم إذا لم يجتهد في الوصول إلى كماله اللائق به فكأنه رد إلى أسفل سافلين الطبيعة ، وإنما عبر عن العقل الهيولاني بالتين لضعف شجرته ، ولأنه زمان الصبا واللهو والالتذاذ والاشتغال بالأمور التي لا طائل تحتها ولا درك فيها بخلاف زمان العقل بالملكة لقوة المعقولات فيها لكونه بحيث يطلب للأشياء حقائق ومعاني ، وهي بمنزلة الزيت ، وفي زمان العقل بالفعل يكون قد ازدادت المعاني رسوخا حتى صارت كالجبل المبارك ، وفي آخر المراتب اجتمعت عنده صور الحقائق دفعة بمنزلة المدينة الفاضلة ، ولعلنا قد كتبنا في هذا المعنى رسالة مفردة فلنقتصر في التفسير على هذا القدر من التأويل. ثم إن أكثر المفسرين قالوا: معنى (فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) في أحسن تعديل شكلا وانتصابا. وقال الأصم: في أكمل عقل وفهم وبيان. والأولون قالوا: لو حلف إنسان أن زوجته أحسن من القمر لم يحنث لأنه تعالى أعلم بخلقه (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) وكان بعض الصالحين يقول: إلهنا أعطيتنا في الأول أحسن الأشكال فأعطنا في الآخرة أحسن الخصال وهو العفو عن الذنوب والتجاوز عن العيوب. ومعنى (أَسْفَلَ سافِلِينَ) قال ابن عباس: أرذل العمر ومثله قول ابن قتيبة: السافلون هم الضعفاء والزمنى ومن لا يستطيع حيلة ولا يجد سبيلا. قال الفراء: لو قيل «أسفل سافل» حملا على لفظ الإنسان كان صوابا أيضا. وقال مجاهد والحسن: هو النار ومثله ما قال علي رضياللهعنه: أبواب جهنم بعضها أسفل من بعض ويبدأ بالأسفل فيملأ. وعلى هذا القول تقدير الكلام رددناه إلى أسفل سافلين أي في أسفل سافلين (إِلَّا الَّذِينَ) الآية. أي الذين استكملوا بحسب القوتين النظرية والعلمية فلهم ثواب دائم غير منقطع. إما بسبب صبرهم على ما ابتلوا به من الشيخوخة والهرم والمواظبة على الطاعات بقدر الإمكان مع ضعف البنية وفتور الآلات. أو بواسطة حصول الكمالات لهم. فهذا الاستثناء على القول الأول منقطع بمعنى لكن. وعلى الثاني متصل. ولا يبعد أن يكون أيضا متصلا والمعنى. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات في حال الاستطاعة فلهم ثواب جزيل في حالة الشيخوخة والضعف وإن لم يقدروا على مثل تلك الأعمال. فكأنهم لم يردوا إلى أسفل من سفل. ثم خاطب الإنسان بقوله (فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) يعني فأي شيء يلجئك بعد هذه البيانات إلى أن تكون كاذبا بسبب تكذيب الجزاء ، لأن كل مكذب بالحق فهو كاذب ، ولا ريب أن خلق الإنسان من نطفة إلى أن يصير كاملا في الخلق والخلق ، ثم تنكيسه إلى حال تخاذل القوى وتقويس الظهر وابيضاض الشعر وتناثره أوضح دليل على قدرة الصانع وحده ، ومن قدر على هذا كله لم يعجز عن إعادة مخلوقه بعد تفرق أجزائه. هذا بالنظر إلى القدرة ، وأما