الجميل وستر القبيح ، ويشتاقون إلى لقائهم فينزلون لذلك. ومن فوائد نزولهم أنهم يرون في الأرض من أنواع الطاعات ما لم يروها في سكان السموات ويسمعون أنين العصاة الذي هو أحب إلى الله من زجل المسبحين فيقولون: تعالوا نسمع صوتا هو أحب إلى ربنا من تسبيحنا. ولعل للطاعة في الأرض خاصية في هذه الليلة ، فالملائكة أيضا يطلبونها طمعا في مزيد الثواب كما أن الرجل يذهب إلى مكة لتصير طاعاته هناك أكثر ثوابا. وفي قوله (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) إشارة إلى أنهم لا يفعلون شيئا إلا بإذن الله لقوله (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) [مريم: ٦٤] وفي قوله (رَبِّهِمْ) توبيخ للعصاة وتعظيم لشأن الملائكة كأنه قال: كانوا لي فكنت لهم. يروى أن داود عليهالسلام في مرض الموت قال: إلهي كن لسلمان كما كنت لي فنزل الوحي قل لسليمان: فليكن لي كما كنت لي. وقوله (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) إشارة عند الأكثرين إلى فائدة نزولهم أي من أجل كل أمر قدر في تلك الليلة إلى قابل. ومعنى العدول من لام التعليل إلى «من» أن السائل كأنه يقول: من أين جئتم؟ فيقولون: ما لكم وهذا السؤال ولكن قولوا لأي أمر جئتم لأنه حظكم. وقيل: من كل أمر أي من أجل كل مهم فبعضهم للركوع وبعضهم للسجود وبعضهم للتسليم. يروى أنهم لا يتلقون مؤمنا ولا مؤمنة إلا سلموا عليه. عن النبي صلىاللهعليهوسلم «إن الله يقدر المقدر في ليلة البراءة ، فإذا كان ليلة القدر يسلمها إلى أربابها.» وقيل: يقدر ليلة البراءة للآجال والأرزاق وليلة القدر للخير والبركة. وقيل: يقدر في ليلة القدر ما يتعلق به صلاح معاش المكلف ومعاده ، ويكتب في ليلة البراءة أسماء من يموت فتسلم إلى ملك الموت. ومعنى (سَلامٌ هِيَ) أن هذه الليلة ما هي إلا سلامة وخير ، فأما سائر الليالي فيكون فيها بلاء وسلامة أو ما هي إلا سلام لكثرة سلام الملائكة على المؤمنين. وقال أبو مسلم: يعني أن هذه الليلة ما هي إلا سلامة عن الرياح المزعجة والصواعق ونحوها ، أو هي سلامة عن تسلط الشيطان وجنسه ، أو سالمة عن تفاوت العبادة في شيء من أجزائها بخلاف سائر الليالي فإن الفرض فيها يستحب في الثلث الأول. والنفل في الأوسط ، والدعاء في السحر ، والمطلع بالفتح المصدر بمعنى الطلوع ، وبالكسر اسم زمان أو مصدر عند بعضهم ، ومنهم أبو علي. هذا ما تقرر عندنا وعند سائر العلماء في تفسير هذه السورة الشريفة ، وأقول أيضا في تأويله: يمكن أن يفهم من ليلة القدر طرف الأزل من الامتداد الوهمي الزماني قدر فيه ما كان وما سيكون إلى يوم الدين بل إلى الأبد وإنما عبر عنه بالليلة لأن الأشياء كلها إذ ذاك في حيز العدم أو الخفاء «كنت كنزا مخفيا» وإنما كانت خيرا من ألف شهر بل من ثلاثين ألف ليلة بل من ثلاثين ألف سنة كما قال (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) [الحج: ٤٧] وهي الدور الأعظم دور الثواب لما