ومن جعل «لا» مزيدة فالقياس على تفسيره أن يقال: ادفع بالتي هي حسنة. ولكنه وضع أحسن موضع الحسنة ليكون أبلغ لأن من دفع بالحسنى هان عليه الدفع بما هو دونها. قال العارفون: الحسنة التوجه إلى الله بصدق الطلب ، والسيئة الالتفات إلى غيره. (فَإِذَا الَّذِي) إذا فعلت ذلك انقلب عدوك وليا مصافيا. قال مقاتل: نزلت في أبي سفيان وكان مؤذيا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فصار يتحاب بعد ذلك لما رأى من لطف رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعطفه. ثم مدح هذه السيرة وأهلها بقوله (وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) أي لا يعمل بها إلا كل صبار على تجرع المكاره. (وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) من قوة جوهر النفس الناطقة بحيث لا يتأثر من الواردات الخارجية ، وقد يفسر الحظ العظيم بالثواب الجزيل. وعن الحسن: ما عظم حظ دون الجنة. ثم ذكر طريقا آخر في دفع الغضب والانتقام قائلا (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ) وقد مر في آخر الأعراف. والمعنى إن صرفك الشيطان عما أمرت به فاستعذ بالله من شره وإنما قال هاهنا (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) بالفصل وتعريف الخبر ليكون مناسبا لما تقدّمه من قوله (وَما يُلَقَّاها) مؤكدا بالتكرار وبالنفي والإثبات ولم يكن هذا المقتضى في الأعراف فجاء على أصل الاسم معرفة والخبر نكرة. وحين ذكر أن أحسن الأقوال هو الدعوة إلى الله بين الدلائل على وجوده فقال (وَمِنْ آياتِهِ) إلخ. والضمير في (خَلَقَهُنَ) للآيات أو الليل وما عطف عليه. ولم يغلب المذكر لأن ذلك قياس مع العقلاء. وفي قوله (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) تزييف لطريقة الصابئين وسائر عبدة الكواكب جهلا منهم وزعما أنها الواسطة بين الخلق والإله ، فنهوا عن هذا التوسيط لأن ذلك مظنة العبادة المستقلة لرفعة شأنها وارتفاع مكانها ، وهذا بخلاف التوجه في الصلاة إلى القبلة فإن الحجر قلما يظن به أنه معبود بالحق والجزم حاصل بأنه لتوحيد متوجهات المصلين عند صلاتهم مع أن للبيت شرفا ظاهرا في نفسه (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا) عن قبول قولك يا محمد في النهي عن السجود للشمس والقمر (فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) عندية بالشرف والرتبة وهم الملائكة المقربون (يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أي على الدوام والاستمرار (وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ) من السامة والملالة. والحاصل أنهم إن لم يمتثلوا ما أمروا به ونهوا عنه وأبوا إلا الواسطة فدعهم وشأنهم فإن ربك لا يعدم عابدا مخلصا.
ولما فرغ من تقرير الآيات السماوية شرع في الدلائل الأرضية فقال (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً) وأصل الخشوع التذلل فاستعير للأرض التي لا خضرة بها ولا نفع كما وصفها بالهمود وقد مرّ في سورة الحج ، وذلك أنها إذا اهتزت وربت أي انتفخت حين يهم النبت بالخروج منها كانت بمنزلة المختال في زيه وهي قبل ذلك كالفقير الكاسف البال