المتلبس بثوب أطمار. وبعد تقرير الدلائل الباهرة ذكر وعيد الملحدين في آياته المنحرفين عن الجادة والوعيد قوله (لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا) وكفى به وعيدا. ثم أكده بالاستفهام على سبيل التقرير وهو قوله (أَفَمَنْ يُلْقى) إلخ. وقوله (يَوْمَ الْقِيامَةِ) ظرف لآمنا أو ليأتي. ثم هددهم بقوله (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) إلخ. ثم أبدل من قوله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ) أي القرآن لأنهم بكفرهم به طعنوا فيه وحرفوا معانيه ، وعلى هذا فالخبر هو ما تقدم من قوله (لا يَخْفَوْنَ) وإنه كلام مستأنف. وعلى هذا فاختلفوا في خبر «إن». فالأكثرون على أنه (أُولئِكَ يُنادَوْنَ) وما بينهما اعتراض من تتمة الذكر. وقيل: خبره ما يقال إذ التقدير ما يقولون لك. وقيل: هو محذوف. ثم اختلفوا فقال قوم: إن الذين كفروا بالذكر كفروا لما جاءهم. وقال آخرون: هلكوا أو يجازون بكفرهم ونحو ذلك ، وهذا يمكن تقديره بعد قوله (لَمَّا جاءَهُمْ) وبعد قوله (مِنْ خَلْفِهِ) وبعد قوله (حَمِيدٍ) والعزيز معناه الغالب القاهر بقوة حجته على ما سواه من الكتب ، والمراد أنه عديم النظير لأن الأولين والآخرين عجزوا عن معارضته. ثم أكد هذا الوصف بقوله (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) قال جار الله: وهو تمثيل أي لا يتطرق البطلان إليه بجهة من الجهات فلا ينقص منه شيء ولا يزاد عليه شيء. وقيل: أراد أنه لا تكذبه الكتب المتقدمة كالتوراة والإنجيل ولن يجيء بعده ما يخالفه. وقد يحتج أبو مسلم بالآية على عدم وقوع النسخ في القرآن زعما منه أن النسخ نوع من البطلان ، ولا يخفي ضعفه فإن بيان انتهاء حكم لا يقتضي إبطاله فإنه حق في نفسه ومأمور به في وقته. (تَنْزِيلٌ) أي هو منزل (مِنْ) إله (حَكِيمٍ) في جميع أفعاله (حَمِيدٍ) إلى جميع خلقه بسبب كثرة نعمه. ثم سلى نبيه عليهالسلام بقوله (ما يُقالُ لَكَ) وفيه وجهان: أحدهما ما يقول لك كفار قريش إلا مثل ما قال للرسل كفار قومهم من المطاعن فيهم وفي كتبهم. (إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ) للمحقين (وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ) للمبطلين ، ففوض الأمر إلى الله واشتغل بما أمرت به من الدعاء إلى دينه. وثانيهما ما يقول لك الله إلا مثل ما قال لغيرك من الرسل من الصبر على سفاهة الأقوام وإيذائهم. ويجوز أن يكون المقول هو قوله (إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ) فمن حقه أن يرجوه أهل طاعته ويخشاه أهل عصيانه. كانوا يقولون: لو لا أنزل القرآن بلغة العجم تعنتا منهم فأجابهم الله بقوله (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا) معترضين منكرين (لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ) أي بينت بلسان نفهمه. أقرآن أعجمي ورسول عربي أو مرسل إليه عربي؟ وإنما جاز هذا التقدير الثاني مع أن المرسل إليهم كثيرون وهم غير أمة العرب ، لأن الغرض بيان تنافر حالتي القرآن ، والذين أنزل القرآن إليهم من العجمية والعربية لا بيان أنهم جمع أو واحد كما تقول: وقد