كقوله صلىاللهعليهوسلم «أطت السماء أطا وحق لها أن تئط ما فيها موضع شبر إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد.» (١) ثم انتقل من وصف الجسمانيات إلى ذكر الروحانيات ، وأنهم بالوجه الذي لهم إلى عالم الأرواح يسبحون وبالوجه الذي لهم إلى عالم الأجسام يستغفرون فقال (وَالْمَلائِكَةُ) قيل: هو عام. وقيل: حملة العرش كما مر في أول سورة المؤمن إلا أنه عمم هاهنا فقال (لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) أي يطلبون أم لا يعاجل الله أهل الأرض بالعذاب طمعا في توبة الكفار والفساق منهم. وقيل: هو مخصوص بما مر أي يستغفرون للمؤمنين منهم. ثم سلى نبيه صلىاللهعليهوسلم بأن المشركين إنما يحاسبهم الله وما عليك إلا البلاغ. قوله (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا) قال ابن بحر: هو الكلام الأول أعيد لما اعترض بين الكلامين ما اعترض. وقال جار الله: الكاف مفعول به لأوحينا ، (وَكَذلِكَ) إشارة إلى المذكور قبله من أن الله هو عليهم الرقيب وما أنت عليهم برقيب. وقد كرر الله هذا المعنى في كتابه في مواضع. و (قُرْآناً عَرَبِيًّا) حال. والمعنى مثل ذلك المذكور أوحينا إليك وهو قرآن عربي بين لا لبس فيه ليفهم معناه ولا يتجاوز حد الإنذار. ويجوز أن يكون (كَذلِكَ) إشارة إلى الإيحاء أي كما أوحينا إلى الرسل قبلك وأوحينا إليك ، فيجوز أن تكون المماثلة بالحروف المفردة وأن تكون بأصول الدين كما مر. قال أهل اللغة: يقال أنذرته كذا وبكذا. فمن الاستعمال الثاني قوله (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى) أي أهل مكة على حذف المضاف ، والمفعول الثاني وهو القرآن محذوف. ومن الاستعمال الأول قوله (وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ) والمفعول الأول محذوف وتنذر الناس يوما تجمع فيه الخلائق أو يجمع فيه بين الأرواح والأجساد أو بين كل عامل وعمله. قلت: ومن الجائز أن يكون الكل من الاستعمال الأول ولا حذف إلا ان قوله (وَتُنْذِرَ) يكون مكررا للمبالغة والتقدير الأصلي: لتنذر أم القرى يوم الجمع. وقد مر في القصص في قوله (حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها) [الآية: ٥٩] أن مكة لم سميت أم القرى. وقوله (وَمَنْ حَوْلَها) يحتمل عموم أطراف الأرض لأن مكة في وسطها ، ويحتمل أن يكون المراد به سائر جزيرة العرب ويدخل باقي الأمم بالتبعية أو بنص آخر كقوله (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) [سبأ: ٢٨] وقوله (لا رَيْبَ فِيهِ) اعتراض لا محل له أو صفة للجمع بناء على أن التعريف الجنسي قريب من النكرة. وقوله (فَرِيقٌ) مبتدأ محذوف الخبر أي منهم فريق كذا ومنهم فريق كذا ، أي هذا مآل حالهم بعد الحشر والاجتماع.
ثم بين بقوله (وَلَوْ شاءَ اللهُ) إلخ. أن السعادة والشقاوة والهداية والضلالة متعلق
__________________
(١) رواه الترمذي في كتاب الزهد باب ٩ ابن ماجه في كتاب الزهد باب ١٩ أحمد في مسنده (٥ / ١٧٣)