بمشيئته وإرادته. وهذا على مذهب أهل السنة ظاهر ، وتأوله المعتزلة بمشيئة القسر والإلجاء ، وقد مر نظائره مرارا. والظاهر أن المراد بكونهم أمة واحدة أن يكونوا مسلمين كلهم. وقيل: أن يكونوا أهل ضلالة قياسا على قوله (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) [الزخرف: ٣٣] ثم أنكر على أهل الشرك بأم المنقطعة قائلا (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) إن أرادوا أولياء بحق (فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُ) الذي يجب أن يعتقد أنه المولى والسيد لا ولي سواه ومن شأنه أنه (يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وهو الحقيق بأن يتخذ وليا. وحين منع الرسول صلىاللهعليهوسلم من التحزن على من كفر أراد أن يمنع المؤمنين من الاختلاف والتنازع فقال (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ) والتقدير: قل يا محمد كذا بدليل قوله (ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي) الآية. والمراد أن الذي اختلفتم أنتم والكفرة فيه من أمور الدين فحكم ذلك المختلف فيه مفوض إلى الله وهو إثابة المحقين ومعاقبة المبطلين. وقيل: وما اختلفتم فيه فتحاكموا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم كقوله (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) [النساء: ٥٩] وقيل: وما اختلفتم فيه من الآيات المتشابهات فارجعوا في بيانه إلى المحكمات أو إلى الظاهر من السنة. وقيل: ما وقع بينكم الخلاف فيه من العلوم التي لا تتصل بالتكاليف فقولوا: الله أعلم كمعرفة الروح وغيره. قال في الكشاف: ولا يندرج فيه اختلاف المجتهدين لأن الاجتهاد لا يجوز بحضرة الرسول صلىاللهعليهوسلم. قلت: إن لم يجز بحضرته فإنه جائز بعده. وقوله (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ) شامل لجميع الأمة إلى يوم القيامة مثل (يا أَيُّهَا النَّاسُ) ومثل (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) والأظهر أن اختلافهم يدخل فيه ، وأن المراد بحكمه تعريفه من بيان الله سواء كان ذلك البيان بالنص أو بالقياس أو بالاجتهاد. فإن قيل: المقصود من التحاكم قطع الاختلاف ولا قطع مع القياس ولا مع الاجتهاد. قلنا: إذا كان القياس مأمورا به وكذا الاجتهاد بل يكون كل مجتهد مصيبا ، كانت المخالفة في حكم الموافقة ولهذا قال «اختلاف أمتي رحمة» ثم وصف نفسه بأوصاف الكمال ونعوت الجلال تأكيدا لصحة أحكامه فقال (فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وهو أحد أخبار ذلكم أو خبر مبتدأ محذوف. ومعنى (وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً) أنه خلق للأنعام أيضا من أنفسها أزواجا (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) يكثركم في هذا التدبير وهو أن جعل للناس والأنعام أزواجا حتى حصل بين الذكور والإناث التوالد والتناسل. والضمير في (يَذْرَؤُكُمْ) راجع إلى المخاطبين وإلى الأنعام وهو من الأحكام ذوات العلتين ، وذلك أن فبه تغليبين تغليب المخاطبين على الغائبين وهم من سيوجد إلى يوم القيامة ، وتغليب العقلاء على غيرهم. وعلة الأول الخطاب ، وعلة الثاني العقل. وإنما قال (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) ولم يقل به لأنه جعل التدبير منبعا ومعدنا للتكثير كقوله (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) [البقرة: ١٧٩] ولأن حروف الجر يقام بعضها مقام البعض ومعنى