لأنه حكم عليهم في آخر الآية بأنهم في شك من كتابهم وهو مع العلم غير مجتمعين (فَلِذلِكَ) أي فلأجل تشعب الملل وتفرق الكلم (فَادْعُ) إلى الملة الحنيفية. وقيل: اللام بمعنى «إلى» والإشارة إلى القرآن (وَاسْتَقِمْ) عليها كما أمرت (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) المختلفة (وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ) أي (كِتابٍ) كان (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) أي في التبليغ أو إذا تحاكمتم إليّ حتى لا أفرق بين نفسي ونفس غيري. ثم أشار إلى ما هو أصل في الدين فقال (اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا) جزاء (أَعْمالُنا وَلَكُمْ) جزاء (أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ) وليس المراد منه تحريم المحاجة فإنه لولا الأدلة لما توجه التكليف بل المراد أنهم بعد أن وقفوا على الحجج الباهرة والدلائل الظاهرة على حقية دين الإسلام لم يبق معهم حجة لسانية وإنما بقي السيف. وقيل: إنه منسوخ بآية القتال وقوله (اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا) إشارة إلى المهاجرة التي اقتضاها إصرارهم على الباطل وتفويض للأمر إلى المجازي المنتقم. ثم أخبر عن وعيد المخاصمين في أمر دين الله (مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ) أي من بعد ما استجاب له الناس وقبلوا دينه ، أو بعد ما استجاب الله لرسوله ونصره يوم بدر (حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ) أي باطلة زائلة (عِنْدَ رَبِّهِمْ) وذلك أن اليهود والنصارى كانوا يقولون: كتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم فأنتم أولى باتباعنا. وأيضا أنتم تقولون الأخذ بالمتفق عليه أولى من الأخذ بالمختلف فيه ، ونبوة موسى وحقية التوراة متفق عليها ونبوة محمد صلىاللهعليهوسلم مختلف فيها. والجواب أن نبوّة موسى إنما صحت بالمعجزة فإن كانت المعجزة في حقه مصححة للنبوة ففي حق محمد صلىاللهعليهوسلم كذلك وإلا فأنتم القادحون في نبوة نبيكم أيضا. ثم حث على سلوك طريقة العدل حذرا من عقاب يوم القيامة فقال (اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ) أي جنسه متلبسا بالغرض الصحيح (وَالْمِيزانَ) أي أنزل العدل والسوية في كتبه أو ألهم اتخاذ الميزان. وقيل: هو العقل. وقيل: الميزان نفسه وذلك في زمن نوح. وقيل: هو محمد صلىاللهعليهوسلم يقضي بينهم بالكتاب (وَما يُدْرِيكَ) يا محمد أو أيها المكلف (لَعَلَّ السَّاعَةَ) أي مجيئها (قَرِيبٌ) أو ذكر بتأويل البعث أو الحشر ونحوه ، أو أراد شيء قريب. ومتى كان الأمر كذلك وجب على العاقل أن يجتهد في أداء ما عليه من التكاليف. ولا يتأنى في سلوك سبيل الإنصاف مع الخالق والخلق فإنه لا يعلم أن القيامة متى تفاجئه. ثم قبح طريقة منكري الساعة فقال (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها) يقولون على سبيل السخرية: متى تقوم الساعة؟ وليتها قامت حتى تظهر لنا جلية الحال. ثم مدح المقربين بأنهم يخافون القيامة هيبة من الله وإجلالا له أو حذرا من تقصير وخلل وقع في العمل إلا أن خوفهم يجب أن يكون ممتزجا بالرجاء ، وقد مر تحقيقه مرارا. ثم هدد الشاكين المجادلين في أمر