البعث بقوله (أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ) وأصله من المرية الشك (لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) عن الصواب لأن استيفاء حق المظلوم من الظالم واجب على فضله أو في حكمه ، ولأن في إنكاره نسبة الله سبحانه إلى ضد العلم والقدرة. ثم إنه لا ريب في أن إنزال الكتاب والميزان لطف من الله على خلقه فلذلك قال (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ) عمم البر ثم خصص بقوله (يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ) يعني الزائد على مقدار الضرورة ، فلكم من إنسان فاق أقرانه في المال أو الجاه أو الأولاد أو في العلم أو في سائر أسباب المزية إلا أن أحدا منهم لا يخلو من بره الذي يتعيش به كقوله (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) [طه: ٥٠] وقيل: معنى لطيف يرزقهم من حيث لا يعلمون ، أو يلطف بهم فلا يعاجلهم بالعقوبة ليتوبوا. وقد مر معناه في الأنعام بوجه آخر في قوله (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الآية: ١٠٣] وأما قوله (الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) ففيه إشارة إلى أن لطفه مقرون بقهره. وحين ذكر أنه يرزق من يشاء الزائد على مقدار كفايته وكان فيه كسر قلوب أرباب الضنك والضيق جبر كسرهم بقوله (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) سماه حرثا تشبيها للعامل الطالب لثواب الآخرة أضعافا مضاعفة بالزارع الذي يلقي البذر في الأرض طلبا للزيادة والنماء ، ومن فضائل حرث الآخرة أن طالبها قد يحصل له الدنيا بالتبعية ويرى ثواب عمله أضعافا مضاعفة ، وطالب الدنيا لا تحصل له المطالب بأسرها ولهذا قال (نُؤْتِهِ مِنْها) أي بعض ذلك (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) قط وفي زيادة لفظ الحرث فائدة أخرى وهي أن يعلم أن شيئا من القسمين لا يحصل إلا بتحمل المتاعب والمشاق. عن النبي صلىاللهعليهوسلم «من أصبح وهمه الدنيا شتت الله عليه همه وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ، ومن أصبح وهمه الآخرة جمع الله همه وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة» (١) هذا لفظه أو لفظ هذا معناه. وعن قتادة إن الله يعطي الدنيا على نية الآخرة ولا يعطي الآخرة على نية الدنيا. وفي ظاهر اللفظ دلالة على أن من صلى لطلب الثواب أو لدفع العقاب فإنه تصح صلاته لأنه صلى لأجل ما يتعلق بالآخرة. قال بعض أصحاب الشافعي: إذا توضأ بغير نية لم يصح لأن هذا الإنسان غفل عن الآخرة وعن ذكر الله ، والخروج عن عهدة الصلاة من باب منافع الآخرة فلا يحصل بالوضوء العاري عن النية ، وحيث بين القانون الأعظم والقسطاس الأقوم في أعمال الدارين نبه على أحوال الضلال بقوله (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ) وهي المنقطعة عند بعضهم. وقال آخرون: هي المعادلة لألف الاستفهام تقديره أفيقبلون ما شرع الله لهم
__________________
(١) رواه الترمذي في كتاب القيامة باب ٣٠ ابن ماجه في كتاب الزهد باب ٢ الدارمي في كتاب المقدمة باب ٣٢ أحمد في مسنده (٤ / ١٨٣)