كافرا منها شربة ماء» (١) وإنما لم يوسع على المسلمين كلهم لتكون رغبة الناس في الإسلام لمحض الإخلاص لا لأجل الدنيا. ثم بشر المؤمنين بقوله (وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ) إلى آخره. قالت المعتزلة: في الآية دلالة على أن اللطف من الله تعالى واجب ، وفيه أنه تعالى لما لم يفعل بالناس التوسعة لئلا يجتمعوا على الكفر ، فلأن لا يخلق فيهم الكفر أولى. والجواب أن وقوع كل الناس في طريق القهر محذور ، وأما وقوع البعض فضروري كما مر في أول البقرة ، فشتان بين الممتنع الوجود والضروري الوجود فكيف يقاس أحدهما على الآخر؟ ثم بين أن مادة كل الآفات وأصل جميع البليات هو السكون إلى الدنيا والركون إلى أهلها فإن ذلك بمنزلة الرمد للبصر ويصير بالتدريج كالعشى ثم كالعمى فقال (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ) أي عن القرآن أي يعرف أنه الحق ولكنه يتجاهل. قال جار الله: قرىء بفتح الشين أيضا. والفرق أنه إذا حصلت آفة في بصره يقال عشي بالكسر أي عمى يعشى بالفتح ، وإذا نظر نظر العشي ولا آفة به قيل عشا أي تعامى. وفيه معنى الإعراض فلهذا عدي بـ «عن» ومعنى (نُقَيِّضْ) نقدر كما مر في «حم السجدة» (وَإِنَّهُمْ) أي الشياطين (لَيَصُدُّونَهُمْ) أي العشي عن دين الله (وَيَحْسَبُونَ) أي الكفار أن الشياطين والكافرين (مُهْتَدُونَ) وإنما جمع الضميرين لأن (مَنْ) عام و (شَيْطاناً) تابع له. ولا شك أن هذا القرين ملازم له في الآخرة لقوله (حَتَّى إِذا جاءَنا) الآية وأما في الدنيا فمحتمل بل لازم لقوله صلىاللهعليهوسلم «كما تعيشون تموتون وكما تموتون تبعثون» ويروى أن الكافر إذا بعث يوم القيامة من قبره أخذ شيطان بيده ولم يفارقه حتى يصيرهما الله إلى النار فذلك حيث يقول (يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ) أي بعد ما بين المشرق والمغرب فغلب كالقمرين. وقيل: المغرب أيضا مشرق بالنسبة إلى الحركة الثانية وهذا قول أهل السنة. وقيل: مشرق الصيف ومشرق الشتاء وفيه ضعف لأنه لا يفيد مبالغة ، فبين الله تعالى أن ذلك التمني لا ينفعهم وعلله بقوله (أَنَّكُمْ) من قرأ بالكسر فظاهر ، ومن قرأ بالفتح فعلى حذف اللام أي لن ينفعكم تمنيكم لأن حقكم أن تشتركوا أنتم وقرناؤكم في العذاب كما كنتم مشتركين في سببه وهو الكفر ، ويحتمل أن يكون أن في قراءة الفتح فاعل ينفع أي لن ينفعكم كونكم مشتركين في العذاب. وإن قيل: المصيبة إذا عمت طابت وذلك أن كل أحد مشغول في ذلك اليوم عن حال غيره بحال نفسه. و (إِذْ) بدل من اليوم ومعناه إذ ظلمكم تبين ووضح لكل أحد.
__________________
(١) رواه البخاري في تفسير سورة ١٨ باب ٦ مسلم في كتاب المنافقين حديث ١٨ ابن ماجه في كتاب الزهد باب ٣