ثم إنه صلى الله صلىاللهعليهوسلم كان يتحزن على فقد الإيمان منهم فسلاه بقوله (أَفَأَنْتَ) إلى آخره. وقوله (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ) أراد به قبض روحه كقوله في «يونس» وفي «المؤمن» (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) [الآية: ٧٧] الانتقام إما في الآخرة وهو قول الجمهور أو في الدنيا. عن جابر أنه قال: لما نزلت (فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ) قال النبي صلىاللهعليهوسلم بعلي بن أبي طالب رضياللهعنه أورده في تفسير اللباب. وقيل: فأما نذهبن بك من مكة فإنا منهم منتقمون يوم بدر. والحاصل أنه تعالى توعد الكفار بعذاب الدنيا والآخرة جميعا. ثم قال لنيه صلىاللهعليهوسلم سواء عجلنا لك الظفر والغلبة أو أخرناه إلى الآخرة فكن متمسكا بما أوحينا إليك فإنه الدين الذي لا عوج له ، وإنه لشرف لك ولقومك أي لجميع أمتك أو لقريش وسوف تسألون هل أديتم شكر هذه النعمة أم لا. قال أهل التحقيق: في الآية دلالة على أن الذكر الجميل أمر مرغوب فيه لعموم أثره وشموله كل مكان وكل زمان خلاف الحياة المستعارة فإن أثرها لا يجاوز مسكن الحي. قلت: الذكر الجميل جميل ولكن الذكر الحاصل من القرآن أجمل رزقنا الله طرفا من ذلك بعميم فضله. ثم إن السبب الأقوى في بغض الكفار وعداوتهم للنبي صلىاللهعليهوسلم إنكاره لأصنامهم ، فبين تعالى أنه غير مخصوص بهذه الدعوة وهذا الإنكار ولكنه دين أطبق كل الأنبياء على الدعاء إليه. وفي الآية أقوال: أحدها أن المضاف محذوف تقديره واسأل يا محمد أمم من أرسلنا. وقال القفال: المحذوف صلة التقدير واسأل من أرسلنا إليهم من قبلك رسولا من رسلنا. والمراد أهل الكتابين لأنهم كانوا يرجعون إليهم في كثير من أمورهم نظيره (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) [يونس: ٩٤] ثانيها أن حقيقة السؤال هاهنا ممتنعة ولكنه مجاز عن النظر في أديانهم والفحص عن مللهم. وثالثا أن التقدير: واسأل جبرائيل عمن أرسلنا. ورابعها أن النبي صلىاللهعليهوسلم جمع له الأنبياء ليلة المعراج في السماء أو في بيت المقدس فأمهم. وقيل له صلىاللهعليهوسلم: سلهم. فلم يسأل. وقد قال صلىاللهعليهوسلم «إني لا أشك في ذلك» قاله ابن عباس. وعن ابن مسعود أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال: أتاني ملك فقال: يا محمد سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا علام بعثوا؟ قال: قلت علام بعثوا؟ قال: على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب رضياللهعنه رواه الثعلبي. ولكنه لا يطابق قوله سبحانه (أَجَعَلْنا) الآية. وجوز بعضهم أن يكون (مَنْ) مبتدأ والاستفهامية خبره والعائد محذوف أي على ألسنتهم ، ومعنى الجعل التسمية والحكم. واعلم أن كفار قريش إنما طعنوا في نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم من جهة كونه فقيرا خاملا وكان فرعون اللعين قد طعن في موسى بمثل ذلك حيث قال (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ) إلى قوله (مَهِينٌ) [الزخرف: ٥٢] فلا جرم أورد قصة موسى هاهنا تسلية