والتضييق في استنبول والأنحاء المجاورة لها ، لعلمه أنه كان بنجوة من الشرور ، ومن الاستبداد ويكرّرون أن الشريعة إذا كانت موجودة فما وجه الاعتماد على القانون الأساسي ، أو الحقوق الأساسية وما ذلك إلا من جراء التلقينات التي أشبعوا بها. فالناس بين مصدق ومكذب ، أو مثبت ومنكر. وكل ما فسرت به أن هذه الإدارة وسيلة لتدخل الأجانب.
ولا غرابة ، فالعراق لم ير عناء من عهد الاستبداد إلا قليلا ، ولا أصابته تلك الشدة إلا يسيرا ، فكأنه في حلم ، أو في غفلة عما كان يجري. إلا أن التلقينات المتكررة والعديدة أدت نوعا إلى التفهم لبعض المعاني ، ولا زالت تتكاثر ، وانتشرت الفكرة ، وأعلن ما كان ينشر في الخفاء من جرائد ومجلات ، فظهرت الآراء الحرة ، وذاعت ذيوعا شاملا. وقوتها مدرسة الحقوق ببغداد والمتخرجون العراقيون من كلية الحقوق باستنبول وكلية الملكية الشاهانية.
ومن المؤسف أنها فسرت عند بعض الناس في أن يكون حبل المرء على غاربه يسوغ له أن يتعاطى ما شاء من الموبقات ، وأن يرتكب المنكرات ، ويسرح ويمرح كما شاء له هواه ، فانقلبت الفائدة ، وما ذلك إلا لأن غالب الذين رأيناهم فسحوا لأنفسهم المجال في تعاطي هذه. حتى صار المفكرون ينددون بهؤلاء الذين فتحوا بابا واسعا لسوء الأحوال والأعمال الشائنة ، وعدم التقيد بواجبات الأسرة والانهماك في الملذات بحيث اتخذوها وسيلة لقضاء الوطر مستمرا.
وعلى كل حال كان الشعب يرى لهذا الإعلان مكانته في التنبيه ، وأثره في التلقين. فالتناصر تولد نوعا ، وصار مشهودا بين الحكومة وبين الأقطار لفك الأغلال مما لم يعرف نظيره ، ولا علم مثيله. وتتعين درجة ذلك بالحوادث والأحوال التي سنتناول موضوعها ونقرر شكلها الواقعي بقدر الإمكان ومساعدة الوثائق.