ومن ثم اقتنع الناس بأن الحرية ليست إلا مجموعة هذه السفاهات ، وارتكاب الموبقات ، وإفساح المجال للنفس أن تنال كل ما ترغب من أهواء ، فلا دين يردع ، ولا سيطرة عامة يفزع إليها ، ولا قوة قاهرة تحول دون التوغل في هذه الأمور فاكتسبت شكل مصيبة. فصار يتألم من حالتها من كان يدعو إليها بالأمس ، ويحض على عملها. فكان أسوأ تفسير لها بالمراقص أو الملاهي وحانات الخمور ، فصار الحبل على الغارب يؤم المرء ما شاء من هذه.
كان لهذا الأمر أثره في انتهاك حرمة الأخلاق والآداب ، والإخلال بأمور الأسرة والانشغال عن الواجب ، وعن الآداب العامة. فذهبت العائلات ضحية هذا التهاون في الواجب ، ونال الكثيرين بؤس وأصابهم شقاء.
ورد في أعداد من الجرائد التنبيه إلى خطر ذلك ، فكاد يقطع الأمل من الصلاح والإصلاح. وهذا ما قاله الأستاذ معروف الرصافي في بيان الحالة ووصف ما كان علة العراق من الحالات التعسة ، والأوضاع الرديئة التي صار إليها. وقد رأى الشام واستنبول وبلادا كثيرة وما فيها من التبدل ، وعاد منها إلى بيروت في ٧ شعبان سنة ١٣٢٧ ه ومنها وصل إلى بغداد كما أخبرت الجرائد المحليّة في ١٨ شهر رمضان سنة ١٣٢٧ ه قال تحت عنوان (بغداد بعد الدستور) :
أرى بغداد تسبح في الملاهي |
|
وتعبث بالأوامر والنواهي |
رمت حملاتها الأرباق حتى |
|
تناطحت الكباش مع الشياه |
أيا بغداد إن الأمر جدّ |
|
فخلّي بعض هزلك في الملاهي |
جميع الناس قد نفضت كراها |
|
وأبدت للعلى نظر انتباه |