واضطرابهم لما لهم من الآمال في العراق ، وفي طريق الهند ، فكان خط بغداد مبدأ السخط ، وهو الذي سبب أن تميل الدولة الإنكليزية إلى مساعدة البلقانيين ، والإيطاليين في أعمالهم. بل إن البلقان واستقلاله في نظر الإنكليز سيكون سدا مانعا من تسلط الألمان على الهند. كما أن حماية الهند ، وآبار النفط في عبادان مما يستدعي أن تكون لها سلطة على العراق ، وأن ذلك هو السبب في الدخول بحرب العراق ، بل تجاوز ذلك وكاد يعد أصل الحرب اتفاق الترك والألمان ، وخط حديد (بغداد ـ برلين) ، والآمال التركية سارت في خيال واسع ، تريد أن تستولي على قفقاسية وتركستان والهند .. مما لا تستطيع الوصول إليه (١).
وعلى رأي جاويد باشا رجال آخرون من الترك يناوئون الاتحاديين. ولا تزال لم تحل هذه القضية والآراء مضطربة فيها ، وغالبها لا تخلو من ميل للإنكليز ، أو عداء لهم. وإلا فلا يسوغ لدولة أن تتحكم في أخرى. وتجري طبق رغبتها. فتقول لها لا تتفقي مع عدوي. وهذا ما نقوله من أن الدول لا تعرف الحياد ، وأن تكون دولة تراعي مصلحة كل الدول بقدر الإمكان ، وتكون حرة في عقودها واتفاقياتها. ولا سبب لذلك إلا الضعف والقوة ، أو الحكم لمن غلب. واختلاف الوجهات في التعليل لا يغير الواقع.
وفي كتاب (بطاريه ايله آتش) أيد وجهة الدولة العثمانية في لزوم الحرب ، وعدد ويلاتها وما جرت إليه ، وبين أن هذه الحرب على ما فيها من مصائب أنقذت الأمة الإسلامية من عتوّ الروس وتحكمهم بالبلاد وقهرهم للأمم الإسلامية فلما سدّ العثمانيون البوسفور خذلوا ، فدخلهم الاضطراب فتبدل شكل الحكم ، وتكوّنت دويلات عديدة فلم تكن دولة موحدة ، إلا أن الأيام كشفت بطلان هذه الفكرة ، وأن روسية عادت إلى
__________________
(١) عراق سفري : جاويد باشا ص ١ ـ ٨.