وأعلن الدستور وتكوّن مجلس الأمة ولم تمض مدة حتى أخفق العمل وانتهك الدستور وصارت الإدارة مستبدة ، فتغلب السلطان عبد الحميد على الأحرار ، والأمة كانت غير متأهبة ...
الإدارة غير صالحة ، والثقافة في ركود أو كانت تراعي الظواهر ليقال إن لها مؤسسات ثقافية ، وحالة الشعب في هدوء وطمأنينة لا يعلم ما يراد به ، وفي أمر كهذا لا يقال في الإدارة أكثر من أنها سيئة ولكنها تعلن في صحفها (أسايش بر كمالدر) أي الراحة والطمأنينة على أتمهما.
دام هذا وامتد إلى أيام إعلان المشروطية ثانية في ٢٣ تموز سنة ١٩٠٨ م (٢٤ جمادى الثانية سنة ١٣٢٦ ه) ومن ثم حصل تبدل فجائي في الدولة فأعلن الدستور مرة أخرى وكان توقف العمل به مدة فمال الشعب برغبة لا مزيد عليها إلى أن ينال حقوقه ويحصل على ما يؤكد مطالبه السياسية والحياتية من جميع وجوهها.
الأمد قصير إلا أنه أحدث انتباها عظيما ، والشعب حاول الاستفادة من أوضاع الأمم الحرة وما هي عليه لينال مرغوبه ، وكان الأمل فيه كبيرا في انكشاف الثقافة والانصراف إليها فتأهب للحياة الديمقراطية الحقة والتنظيم الاجتماعي الصالح.
والمهم أنه شوشته الحزبيات. وكانت ضرورة لا بد منها إلا أنها انقلبت إلى مماحكات واضطرابات فلم تستقر ولم يكبح جماحها من إدارة قويمة حتى جاءت (الحرب العامة الأولى) فقضت على هذه الفرحة واجتثتها من أصلها ، فحلت الإدارة العسكرية (العرفية) بعد ذلك التوسع على الناس في الحرية وانقلبت الآية فبلغ التضييق أشده.
ركن العثمانيون إلى الألمان بأمل أن يكون لهم موقع ممتاز بين الدول فأضاعوا ما عندهم وخسروا الحرب واحتلت الدول بلادهم ، فكان ما كان ، وانتهى الأمر بالتسليم بلا قيد ولا شرط.