بالهمزة الموضوعة للقريب ، فما السبب البلاغى هنا؟ السبب أن أبا الطيب أراد أن يبيّن أن المنادى على الرغم من بعده فى المكان ، قريب من قلبه مستحضر فى ذهنه لا يغيب عن باله ، فكأنه حاضر معه فى مكان واحد. وهذه لطيفة بلاغيّة تسوغ استعمال الهمزة وأى فى نداء البعيد.
انظر إلى الأمثلة الثلاثة الباقية تجد المنادى فى كل منها قريبا ، ولكن المتكلم استعمل فيها أحرف النداء الموضوعة للبعيد فما سبب هذا؟
السبب أن المنادى فى المثال الثانى جليل القدر خطير الشأن فكأن بعد درجته فى العظم بعد فى المسافة ، ولذلك اختار المتكلم فى ندائه الحرف الموضوع لنداء البعيد ليشير إلى هذا الشأن الرفيع. وأما فى المثال الثالث فلأن المخاطب فى اعتقاد المتكلم وضيع الشأن صغير القدر فكأن بعد درجته فى الانحطاط بعد فى المسافة. وأما فى المثال الأخير فلأن المخاطب لغفلته وذهوله كأنه غير حاضر مع المتكلم فى مكان واحد.
وقد تخرج ألفاظ النداء عن معناها الأصلى وهو طلب الإقبال إلى معان أخرى تستفاد من القرائن ، ومن هذه المعانى ما يأتى :
(١) الزجر كقوله :
يا قلب ويحك ما سمعت لناصح |
|
لمّا ارتميت ولا اتّقيت ملاما |
(٢) التحسر والتوجع نحو قوله :
أيا قبر معن كيف واريت جوده |
|
وقد كان منه البرّ والبحر مترعا |
(٣) الإغراء كقولك لمن أقبل يتظلم : يا مظلوم تكلم.
القواعد :
(٥٢) النّداء طلب الإقبال بحرف نائب مناب أدعو.
(٥٣) أدوات النّداء ثمان : الهمزة ، وأى ، ويا ، وآ ، وآى وأيا ، وهيا ، ووا.