إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما ، فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ ، فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ ، قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا ، وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ ، قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ».
فإن الرسل حين أحسّوا إنكارهم فى المرة الأولى اكتفوا بتأكيد الخبر «بإنّ». فقالوا : (إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) ، فلما تزايد إنكارهم وجحودهم قالوا : (رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) ، فأكدوا بالقسم وإنّ واللام.
وقد تخفى هذه الدقائق على غير أهل اللغة ، روى أن الكندىّ (١) ركب إلى أبى العباس المبرّد (٢) وقال له : إنى لأجد فى كلام العرب حشوا!
فقال أبو العباس : أين وجدت ذلك؟ فقال. وجدتهم يقولون : «عبد الله قائم» ثم يقولون : «إن عبد الله قائم» ثم يقولون : «إن عبد الله لقائم» فالألفاظ مكررة والمعنى واحد ؛ فقال أبو العباس. بل المعانى مختلفة ، فالأول إخبار عن قيامه ، والثانى جواب عن سؤال ، والثالث ردّ على منكر.
كذلك يوجب علم المعانى أن يخاطب كل إنسان على قدر استعداده فى الفهم ونصيبه من اللغة والأدب فلا يجيز أن يخاطب العامىّ بما يخاطب به الأديب الملمّ بلغة العرب وأسرارها.
قال بعضهم لبشار بن برد : إنك لتجىء بالشىء الهجين المتفاوت ؛ قال : وما ذاك؟ قال : بينما تثير النقع وتخلع القلوب بقولك :
إذا ما غضبنا غضبة مضرية |
|
هتكنا حجاب الشمس أو تمطر الدّما |
إذا ما أعرنا سيّدا من قبيلة |
|
ذرا منبر صلّى علينا وسلّما |
__________________
(١) هو أبو يوسف يعقوب بن إسحق فيلسوف العرب كان معاصرا للمأمون والمعتصم والمتوكل ، وله عندهم منزلة سامية ، برع فى الطب والفلسفة والحساب والمنطق والهندسة وطبائع الأعداد وعلم النجوم ، نبغ وليس فى المسلمين فيلسوف غيره ، وحذا فى تأليفه حذو أرسطو.
(٢) هو شيخ أهل النحو والعربية ، وله التآليف النافعة فى الأدب ، وكان حسن المحاضرة مليح الأخبار كثير النوادر ، وتوفى سنة ٢٨٥ ه.