(٣) وقال أبو الطيب :
من يهن يسهل الهوان عليه |
|
ما لجرح بميّت إيلام |
البحث :
قد ينحو الكاتب أو الشاعر منحى من البلاغة يوحى فيه بالتشبيه من غير أن يصرّح به فى صورة من صوره المعروفة (١) ، يفعل ذلك نزوعا إلى الابتكار ؛ وإقامة للدليل على الحكم الذى أسنده إلى المشبه ، ورغبة فى إخفاء التشبيه ؛ لأن التشبيه كلما دقّ وخفى كان أبلغ وأفعل فى النفس.
انظر بيت أبى تمام فإنه يقول لمن يخاطبها : لا تستنكرى خلوّ الرجل الكريم من الغنى فإن ذلك ليس عجيبا لأن قمم الجبال وهى أشرف الأماكن وأعلاها لا يستقر فيها ماء السيل. ألم تلمح هنا تشبيها؟ ألم تر أنه يشبه ضمنا الرجل الكريم المحروم الغنى بقمّة الجبل وقد خلت من ماء السيل؟ ولكنه لم يضع ذلك صريحا بل أتى بجملة مستقلة وضمنها هذا المعنى فى صورة برهان.
ويقول ابن الرومى : إنّ الشابّ قد يشيب ولم تتقدم به السن ، وإن ذلك ليس بعجيب فإن الغصن الغض الرطب قد يظهر فيه الزهر الأبيض. فابن الرومى هنا لم يأت بتشبيه صريح فإنه لم يقل : إن الفتى وقد وخطه
__________________
(١) صور التشبيه المعروفة هى ما يأتى :
ما ذكرت فيه الأداة نحو الماء كاللجين. أو حذفت والمشبه به خبر نحو الماء لجين وكان الماء لجينا. أو حال نحو سال الماء لجينا. أو مصدر مبين للنوع مضاف نحو صفا الماء صفاء اللجين. أو مضاف إلى المشبه نحو سال لجين الماء أو مفعول به ثان لفعل من أفعال اليقين والرجحان نحو علمت الماء لجينا ، أو صفة على التأويل بالمشتق نحو سال ماء لجين ، أو أضيف المشبه إلى المشبه به بحيث يكون الثانى بيانا للأول نحو ماء اللجين أى ماء هو اللجين. أو بين المشبه بالمشبه به نحو جرى ماء من لجين.