لأنه أراد عاجل ما اشتهى مع القلة أحب إليّ من الأكثر البطيء ، فترك ـ مع القلة ـ وبه تمام المعنى.
ومنها قول عروة بن الورد :
عجبت لهم إذ يقتلون نفوسهم |
|
ومقتلهم عند الوغى كان أعذرا (١) |
كأنه أراد أن يقول : عجبت لهم إذ يقتلون نفوسهم في السلم ، وقتلهم في الحرب أعذر ، فترك ـ في السلم ـ وبه يتم المعنى.
ومنها قول الحارث بن حلّزة :
والعيش خير في ظلال |
|
النوك ممن عاش كدّا (٢) |
فاراد أن يقول : والعيش الناعم في ظلال النوك خير من العيش الشاق في ظلال العقل ، فاخلّ بأكثر المعنى.
ومن أمثلة ذلك في النثر ما حكاه أبو الفرج قدامه بن جعفر أنّ بعضهم كتب في كتاب له : فإن المعروف إذا وحى (٣) كان أفضل منه إذا توفر وأبطأ ، فأراد أن يقول : إن المعروف إذا قل ووحى كان أفضل منه إذا كثر وأبطأ ، فترك ما بنى المعنى عليه ، وهو ذكر القلة.
وكذلك كتب بعضهم : فما زال حتى أتلف ماله ، وأهلك رجاله ، وقد كان ذلك في الجهاد والإبلاء أحق بأهل الحزم وأولى ، فأخلّ بما فيه تمام المعنى ، وذلك أن الذي أراد أنه أنفق ماله وأهلك رجاله في السلم والموادعة وقد كان ذلك في الجهاد أفضل ، فأخل بذكر السلم أو ما يقوم مقامه ، فصار المعنى ناقصا.
ولحمد الإيجاز فضّل أحد الشاعرين على صاحبه إذا كانا قد اشتركا في معنى وأوجز
__________________
(١) «ديوانا عروة بن الورد» والسموأل ص ٤١ ، وفي المطبوع : يخنتون أنفسهم بدل : يقتلون.
(٢) النوك : الجهل.
(٣) وحى : أسرع.