فصل في الحروف
الحرف في كلام العرب يراد به حدّ الشيء وحدّته ، ومن ذلك حرف السيف إنما هو حده وناحيته ، وطعام حرّيف : يراد به الحدة ، ورجل محارف أي : محدود عن الكسب ، وقولهم : انحرف فلان عن فلان ، أي : جعل بينه وبينه حدا بالبعد.
وفسر أبو عبيدة معمر بن المثنّى (١) قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) [الحج : ١١] أي : لا يدوم ، وفسره أبو العباس أحمد بن يحيى (٢) أي : على شك ، وكلا التأويلين على ما قدمناه ، لأن المراد أنه غير ثابت على دينه ، ولا مستحكم البصيرة فيه ، فكأنه على حرفه ، أي : غير واسط منه.
وسميت الحروف حروفا لأن الحروف حدّ منقطع الصوت ، وقد قيل : إنها سميت بذلك لأنها جهات للكلام ونواح ، كحروف الشيء وجهاته.
فأما قولهم في القراءة : حرف أبي عمرو من القرّاء وغيره ، فقد قيل فيه : إن المراد أن الحرف كالحد ما بين القراءتين ، وقيل أيضا : إن الحرف في هذا القول المراد به الحروف ، كما قال الله تعالى : (وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها) [الحاقة : ١٧]. أي : والملائكة. ومن قولهم : أهلك الناس الدينار والدرهم ، أي : الدنانير والدراهم (٣) ، والمعنى : أن
__________________
(١) هو معمر بن المثنى التيمي ـ أبو عبيدة ـ النحوي المعروف ، من أئمة العلم بالأدب واللغة. ولد بالبصرة سنة ١١٠ هجرية وتوفي سنة ٢٠٩ هجرية. قال عنه الجاحظ : «لم يكن في الارض أعلم بجميع العلوم منه». له نحو «٢٠٠» مؤلف منها : نقائض جرير والفرزدق ، ومجاز القرآن ، وأيام العرب ، ومعاني القرآن ... وغيرها كثير ، وهو من حفاظ الحديث.
(٢) هو أحمد بن يحيى بن زيد الشيباني ـ أبو العباس ـ المعروف بثعلب. إمام الكوفيين في النحو واللغة ، وكان راوية للشعر ، مشهورا بالحفظ ، ولد ببغداد سنة (٢٠٠) هجرية. أصيب في أواخر عمره بالصمم ، توفي على أثر صدمة تلقاها من فرس سنة (٢٩١) هجرية. من كتبه : «قواعد الشعر» ، و «شرح ديوان زهير» ، و «الفصيح» ، و «مجالس ثعلب».
(٣) لأن «أل» فيها للجنس.