فصل في الكلام
الكلام اسم عام يقع على القليل والكثير ، وذكر السيرافي أنه مصدر ، والصحيح أنه اسم للمصدر ، والمصدر التكليم ، قال الله تعالى : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) [النساء : ١٦٤] ولعل أبا سعيد تسمح في إيراد ذلك وقاله مجازا ، فأما الكلم فإنه اسم يدل على الجنس ، هذا مذهب أهل النحو في الأسماء التي يكون فيها الاسم على صورتين : تارة بالهاء وتارة بطرحها ، نحو : تمرة وتمر ، وبسرة وبسر ، وما أشبه ذلك ، على أن بعضهم قد جعل الكلم جمع كلمة ، لكن الأحرى على مذهبهم ما ذكرناه.
والكلمات جمع كلمة ، وقد حكى كلمة وجمعها كلم ، وروى أبو زيد أن العرب تقول : الرجلان لا يتكالمان ، يريد : لا يتكلمان وقد استدل على أن الكلام ليس مصدر بأن الفعل المستعمل منه إنما هو : كلمت ، وفعلت يأتي مصدره في القياس على مثال التفعيل ، نحو : كسرت تكسيرا ، ولا يأتي على لفظ آخر.
والكلام عندنا ما انتظم من هذه الحروف التي ذكرناها أو غيرها ، على ما بيناه من أننا لا نذكر إلا حروف اللغة العربية دون غيرها من اللغات ، وحده ما انتظم من حرفين فصاعدا من الحروف المعقولة إذا وقع ممن تصح عنه أو من قبيله الإفادة ، وإنما شرطنا الانتظام لأنه لو أتى بحرف ومضى زمان وأتى بحرف آخر لم يصح وصف فعله بأنه كلام ، وذكرنا الحروف المعقولة لأن أصوات بعض الجمادات ربما تقطعت على وجه يلتبس بالحروف ولكنها لا تتميز وتتفصل كتفصيل الحروف التي ذكرناها ، واشترطنا وقوع ذلك ممن يصح منه أو من قبيله الإفادة لئلا يلزم عليه أن يكون ما يستمع من بعض الطيور كالببغاء وغيرها كلاما ، وقلنا القبيل دون الشخص لأن ما يسمع من المجنون يوصف بأنه كلام ، وإن لم تصح منه الفائدة وهو بحاله ، لكنها تصح من قبيله ، وليس كذلك الطائر.