فأما الدليل على صحة هذا الحد فهو أن الشروط التي ذكرناها فيه متى تكاملت صحّ الوصف بأنه كلام ، ومتى اختلّ بعضها لم يوصف بذلك ، وفيما ذكرناه تسمح ، وهو قولنا : لو أتى بحرف ومعنى زمان وأتى بحرف آخر ، لم يصح وصف فعله بأنه كلام ، وكذلك النطق بحرف واحد متعذّر وغير ممكن ، إذ لا بد من الابتداء بمتحرك والوقوف على ساكن ، وما يمكن ذلك في أقل من حرفين : الأول منهما متحرك والثاني ساكن ، وهو الذي يسميه العروضيون سببا خفيفا ، وبهذا أجاب أصحابنا من ألزمهم على هذا الحدّ الذي ذكرناه أن يكون «ق» و «ع» في الأمر ليس بكلام ، لأنه حرف واحد ، وقالوا : إن المنطوق به في هذا القول حرفان ، والغنّة التي وقف عليها عند السكت هي حرف وإن لم تثبت في الخط ، وبينوا أن النطق بحرف واحد غير ممكن للعلة التي ذكرناها ، وبهذا الجواب غنوا عما قاله أبو هاشم : من أن الأصل في هاتين اللفظتين عند الأمر «أوق» و «أوع» وإنما حذف ذلك لضرب من التصريف ، والمحذوف مقدّر في الكلام مراد ، فعاد الأمر إلى أن الحرف الواحد لا يفيد ، وإذا كنا قد بينّا التّسمح فيما ذكرناه فوجه العذر فيه أنه لو أمكن فرضا وتقديرا أن ينطق بحرف واحد لم يكن كلاما ، وإن كان الصّحيح أن ذاك غير ممكن لما بيناه.
وقد ألزمنا على هذا الحد الذي ذكرناه أن يكون الأخرس متكلما ، لأنه قد يقع منه حرفان ، والتزم أصحابنا ذلك وقالوا : إن الأخرس يمكن أن يقع منه أقل قليل للكلام ، وفيهم من احترز من ذلك وقال في أصل الحد : ما انتظم من حرفين مختلفين ، وادّعى أن الأخرس لا يقع منه ذلك ، وطعن على هذا القول بأنه غير ممتنع أن يقع من الأخرس حرفان مختلفان ، والمعتمد التزام ذلك ، والقول بجوازه.
وليس يجوز أن يشترط في حد الكلام كونه مفيدا على ما يذهب اليه أهل النحو ومضى في بعض كلام أبي هاشم ، وذلك أنا وجدنا أهل اللغة قد قسموا الكلام إلى : مهمل ومستعمل ، والمهمل : ما لم يوضع في اللغة التي أضيف أنه مهمل إليها ، لشيء من المعاني والفوائد ، والمستعمل : هو الموضوع لمعنى أو فائدة ، فلو كان الكلام هو المفيد عندهم وما لم يفد ليس بكلام لم يكونوا قسموه إلى قسمين ، بل كان يجب أن