فصل في ذكر الفرق بين المنظوم والمنثور
وما يقال في تفضيل أحدهما على الآخر
أما حدّ النثر : فهو حدّ الكلام الذي ذكرناه في هذا الكتاب ، وأما حدّ الشعر : فهو كلام موزون مقفّى يدل على معنى ، وقلنا : كلام ، ليدل على جنسه ، وقلنا : موزون ، لنفرق بينه وبين الكلام المنثور الذي ليس بموزون ، وقلنا ـ مقفى ـ لنفرق بينه وبين المؤلف الموزون الذي لا قوافي له ، وقلنا : يدل على معنى ، لنتحرّز من المؤلف بالقوافي الموزون الذي لا يدل على معنى.
وسمي شعرا من قولهم : شعرت ، بمعنى : فطنت ، والشعر : الفطنة ، كأنّ الشاعر عندهم قد فطن لتأليف الكلام ، وإذا كان هذا مفهوما فأقل ما يقع عليه اسم الشعر بيتان ، لأن التقفية لا تمكن في أقل منهما ولا تصح في البيت الواحد ، لأنها مأخوذة من ـ قفوت الشيء ـ إذا تلوته ، وقد ذهب العروضيون إلى أن أقل ما يطلق عليه اسم الشعر ثلاثة أبيات ، وليس الأمر على ما ذهبوا إليه ، لأن الحدّ الصحيح قد ذكرناه ، وهو يدل على أن البيتين شعر ، فأما اعتلال بعضهم بأن البيتين قد يتفقان في كلام لا يقصد قائله الشعر ولا يتفق ثلاثة أبيات فيما لا يقصد مؤلفه الشعر فاعتلال فاسد ، لأنه إن كان يريد بالبيتين مثل قول امرىء القيس :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل |
|
بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل |
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها |
|
لما نسجته من جنوب وشمأل (١) |
__________________
(١) شرح ديوان امرىء القيس ١٤٣ ، شرح القصائد العشر ٤٧ ـ ٥٠. سقط اللوى : منقطع الرمل حيث يستدق من طرفه ، والدخول وحومل وتوضح والمقراة : مواضع ، ولم يعف رسمها : لم يمح أثرها ، والجنوب والشمال : ريحان.