هذا فاعتمد على أيهما شئت ، والسّلام). فعبر عن مراده بمثال أوضحه وأوجزه.
ومنه أيضا ما كتب به الحجاج إلى المهلب حين حضّه على قتال الأزارقة وتوعده له حيث قال : فإن أنت فعلت ذلك ، وإلّا شرعت إليك صدر الرمح فأجابه المهلب وقال : فإن يشرع الأمير إليّ صدر الرمح ، قلبت له ظهر المجن ، وهذا كله إنما حسن لما فيه من الإيضاح والإيجاز ، وقدمنا تأثيرهما في الفصاحة والبلاغة.
فهذا منتهى ما نقوله في الألفاظ بانفرادها ، واشتراكها مع المعاني ، ومن وقف عليه عرف حقيقة الفصاحة ومائيتها ، وعلم أسرارها وعللها ، فأما الكلام على المعاني بانفرادها ، فقد قدمنا القول بأن البلاغة عبارة عن حسن الألفاظ والمعاني ، وأن كل كلام بليغ لا بد من أن يكون فصيحا وليس كل فصيح بليغا ، إذ كانت البلاغة تشتمل على الفصاحة وزيادة لتعلق البلاغة مع الألفاظ بالمعاني.
فإذا كان قد مضى الكلام في الألفاظ على الانفراد والاشتراك ، فلنذكر الآن الكلام على المعاني مفردة من الألفاظ ، ليكون هذا الكتاب كافيا في العلم بحقيقة البلاغة والفصاحة ، فإنهما وإن تميزا من الوجه الذي ذكرته فهما عند أكثر الناس شيء واحد ، ولا يكاد يفرق بينهما إلا القليل ، والله يمنّ بالمعونة والتسديد برحمته.
أما حصر المعاني بقوانين تستوعب أقسامها وفنونها على حسب ما ذكرناه في الألفاظ فعسير متعب لا يليق بهذا الكتاب تكلفّه ، لأنه ثمرة علم المنطق ، ونتيجة صناعة الكلام ، ولسنا بذاهبين في هذا الكتاب إلى تلك الأغراض والمطالب ، لكن نحتاج إلى أن نومىء إلى المعاني التي تستعمل في صناعة تأليف الكلام المنظوم والمنثور ونبين كيف يقع الصحيح فيها والفاسد ، والتام والناقص ، على أنّ من كان سليم الفكر صحيح التصور لم يخف عنه شيء مما يسرّ النفوس ، وإن كان قد يخفى عنه كثير مما ذكرناه من الكلام والألفاظ ، لأن في الألفاظ مواضعة واصطلاحا يختلف الناس في المعرفة بهما بحسب