التمثيل :
ومن نعوت الفصاحة والبلاغة أن يراد معنى فيوضح بألفاظ تدل على معنى آخر وذلك المعنى مثال للمعنى المقصود وسبب حسن هذا مع ما يكون فيه من الإيجاز أن تمثيل المعنى يوضحه ويخرجه إلى الحس والمشاهدة وهذه فائدة التمثيل في جميع العلوم ، لأن المثال لا بد من أن يكون أظهر من الممثل ، فالغرض بإيراده إيضاح المعنى وبيانه ، ومن هذا الفن قول الرمّاح بن ميّادة :
ألم تك في يمنى يديك جعلتني |
|
فلا تجعلنّي بعدها في شمالكا |
فأراد : إني كنت عندك مقدما فلا تؤخرني ، ومقربا فلا تبعدني ، فعدل في العبارة عن ذلك إلى أني كنت في يمينك ، فلا تجعلني في شمالك لأن هذا المثال أظهر إلى الحس.
وكذلك قول الآخر :
تركت يديّ وشاحا له |
|
وبعض الفوارس لا يعتنق |
فعبر عن قوله : عانقته ؛ بأنني تركت يدي وشاحا له ، فأوضح المعنى حين جعل له مثالا معروفا مشاهدا.
ومنه أيضا قول زهير :
ومن يعص أطراف الزّجاج فإنه |
|
يطيع العوالي ركّبت كل لهذم (١) |
لأنه عدل عن قوله : ومن لم يطع باللين أطاع بالعنف ؛ إلى أن قال : ومن لم يطع زجاج الرماح أطاع الأسنة ، وكان في هذا التمثيل بيان المعنى وكشفه.
ومن أمثلة ذلك في النثر ما كتب به الوليد بن يزيد لما بويع إلى مروان بن محمد وقد بلغه توقفه عن البيعة له : (أما بعد ، فإني أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى ، فإذا أتاك كتابي
__________________
(١) الزجاج : جمع زجّ وهو الحديدة في أسفل الرمح ، والعوالي : التي يكون فيها السنان ، واللهذم : السنان القاطع. وانظر «شرح المعلقات السبع» للزوزني ص ٢٤٣.