الكلام في الفصاحة
الفصاحة الظهور والبيان : ومنها أفصح اللبن إذا انجلت رغوته ، وفصح فهو فصيح ، وقال الشاعر :
وتحت الرغوة اللبن الفصيح (١)
ويقال : أفصح الصبح إذا بدا ضوءه ، وأفصح كل شيء إذا وضح ، وفي الكتاب العزيز : (وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي) [القصص : ٣٤] وفصح النصارى : عيدهم ، وقد تكلمت به العرب ، وقال حسان بن ثابت :
ودنا الفصح فالولائد ينظم |
|
ن سراعا أكلّة المرجان (٢) |
ويجوز أن يكون ذلك لاعتقادهم أنّ عيسى عليهالسلام ظهر فيه ، وسمى الكلام الفصيح فصيحا كما أنهم سموه بيانا لإعرابه عما عبر به عنه وإظهاره له إظهارا جليا ، روى عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «أنا أفصح العرب بيد (٣) أني من قريش» (٤).
والفرق بين الفصاحة والبلاغة : أن الفصاحة مقصورة على وصف الألفاظ ، والبلاغة لا تكون إلا وصفا للألفاظ مع المعاني ، لا يقال في كلمة واحدة لا تدل على معنى يفضل عن مثلها : بليغة ، وإن قيل فيها : فصيحة وكل كلام بليغ فصيح ، وليس كل فصيح بليغا ، كالذي يقع فيه الإسهاب في غير موضعه.
__________________
(١) البيت هو لنقلة السّلميّ في «لسان العرب» ٢ / ٥٤٤ و «مجمل اللغة» (٤ / ١٠٢). و «تاج العروس» (٧ / ١٩) و «معجم مقاييس اللغة» (٤ / ٥٠٧) و «المخصص» (٥ / ٤٠).
(٢) «ديوان حسان بن ثابت» (ط دار صادر) ١ / ٢٥٥ في مدح جبلة بن الأيهم ، وفيه : «قددنا ... ينظمن قعودا ...».
(٣) بيد : بمعنى غير أو من أجل.
(٤) أخرجه العجلوني في «كشف الخفا» (١ / ١٨٢).