قط نار) كثرة إطعامه الطعام ، فلم تأت بذلك اللفظ بعينه بل بلفظ هو أبلغ في المقصود ، لأن كثيرا ممن يطعم الطعام تخمد ناره في وقت ، وكذلك قول الأخرى : (له إبل قليلات المسارح ، كثيرات المبارك ، إذا سمعن صوت المزهر أيقنّ أنهن هوالك) فأرادت أن هذا الرجل ينحر إبله فقلّما تسرح وتبعد في المرعى ، لأنه يبركها بفنائه ليقرب عليه نحرها للضيوف ، والمزهر العود الذي يغني به ، فإذا سمعت الإبل صوته أيقنت أنها هوالك ، لما قد اعتادته من نحره لها إذا سمع الغناء وانتشى ، وذلك لاتعتاده الإبل وتفهمه إلا مع الاستمرار والدوام ، وهذا كله أبلغ من قولها : إنه ينحر الإبل ، على ما قدمناه وبيناه.
ومن هذا الفن من الإرداف قول أبي عبادة :
فأوجرته أخرى فأضللت نصله |
|
بحيث يكون اللبّ والرعب والحقد (١) |
لأنه أراد ـ القلب ـ فلم يعبر عنه باسمه الموضوع له ، وعدل إلى الكناية عنه بما يكون اللب والرعب والحقد فيه ، وكان ذلك أحسن لأنه إذا ذكره بهذه الكنايات كان قد شرفه وتميزه عن جميع الجسد بكون هذه الأشياء فيه ، وأنه أصاب هذا المرمى في أشرف موضع منه. ولو قال : أصبته في قلبه ؛ لم يكن في ذلك دلالة على أن القلب أشرف أعضاء الجسد ، فعلى هذا السبيل يحسن الإرداف.
ومما يجري مجرى قول أبي عبادة قول غيره : (٢)
الضاربين بكلّ أبيض مخذم |
|
والطاعنين مجامع الأضغان |
وفيما ذكرناه كفاية في الدلالة على كل ما هو من هذا الجنس.
__________________
(١) هذا البيت من قصيدة له يذكر فيها قتله للذئب. وقد جاء في المطبوع : فأتبعتها أخرى فأضللت نصلها ، وبينها وبين ما هو مثبت فرق واضح ، وانظر «ديوانه» (١ / ١٦٧).
(٢) عمرو بن معد يكرب. وانظر «المعجم المفصل» (٨ / ١٧٤). والشاهد في قوله ـ مجامع (الأضغان) لأنه كناية عن القلب.