بعيدة مهوى القرط ، فدل ببعد مهوى قرطها على طول الجيد ، وكان في ذلك من المبالغة ما ليس في قوله : طويلة العنق ؛ لأن بعد مهوى القرط يدل على طول أكثر من الطول الذي يدل عليه ـ طويلة العنق ـ لأن كل بعيدة مهوى القرط طويلة العنق ، وليس كل طويلة العنق بعيدة مهوى القرط ، إذا كان الطول في عنقها يسيرا وهذا موضع يجب فهمه.
ومنه قول امرىء القيس :
وتضحي فتيت المسك فوق فراشها |
|
نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضّل (١) |
فإنه لما أراد أن يصف ترفّه هذه المرأة ونعمتها قال : نؤوم الضحى يبقى فتيت المسك فوق فراشها لم تنتطق لتخدم نفسها ، فعبر بذلك عن غناها وترفّهها وخفض عيشها ، وأتى بألفاظ تدل على ذلك أبلغ مما يدل عليه قوله : إنها غنية مرفهة.
وكذلك قوله :
وقد أغتدي والطير في وكناتها |
|
بمنجرد قيد الأوابد هيكل (٢) |
لأنه أراد أن يصف الفرس بالسرعة ، فلم يقل : إنه سريع ، وقال : قيد الأوابد ؛ وهي الوحوش ، أي : إنه إذا طلبها على هذا الفرس لحقها لسرعته ، فكأنه قيّدها له ، وفي هذا من المبالغة ما ليس في وصف الفرس بأنه سريع ؛ لأن الفرس قد يكون سريعا ولا يلحق الوحش حتى تصير بمنزلة المقيّدة له ، وقد استحسن الناس هذا اللفظ من امرىء القيس ، حتى قالوا : هو أول من قيّد الأوابد.
وأصحاب صناعة البلاغة يذكرون «الإرداف» ولا يشرحون العلة في سببه وحسنه من المبالغة التي نبهنا عليها ، ومنه في النثر قول أعرابية وصفت رجلا فقالت : لقد كان فيهم عمّار ، وما عمّار؟ طلّاب بأوتار ، لم تخمد له قطّ نار ، فأرادت بقولها : (لم تخمد له
__________________
(١) لم تنتطق : لم تشد نطاقا للعمل ، وعن تفضل : عن ثوب نوم ، شرح «ديوانه» ص ١٥٠.
(٢) وكناتها : أعشاشها ، المنجرد : القصير الشعر ، هيكل : ضخم. شرح «ديوانه» ص ١٥٣.