وقوله :
رجلاه في الركض رجل واليدان يد |
|
وفعله ما تريد الكفّ والقدم (١) |
وأمثال هذا له ولغيره كثير.
وقد قال بشر بن المعتمر في وصيته : إياك والتّوعر في الكلام ، فإنه يسلمك إلى التعقيد ، والتعقيد هو الذي يستهلك معانيك ، ويمنعك من مراميك.
وحكى أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ عن بعض من وصف البلاغة فقال : ينبغي أن يكون الاسم للمعنى طبقا ، وتلك الحال له وفقا ، ولا يكون الاسم لا فاضلا ولا مقصرا ولا مشتركا ولا مضمنا.
فهذا كله يدل على صحة ما قلناه ، وإن كانت الشبهة لا تعترض فيه لمتأمل.
ومن نعوت البلاغة والفصاحة أن تراد الدلالة على المعنى ، فلا يستعمل اللفظ الخاص الموضوع له في اللغة ، بل يؤتى بلفظ يتبع ذلك المعنى ضرورة ، فيكون في ذكر التابع دلالة على المتبوع ، وهذا يسمى الإرداف (٢) والتتبيع ؛ لأنه يؤتى فيه بلفظ هو ردف اللفظ المخصوص بذلك المعنى وتابعه ، والأصل في حسن هذا أنه يقع فيه من المبالغة في الوصف ما لا يكون في نفس اللفظ المخصوص بذلك المعنى ، ومثاله قول عمر بن أبي ربيعة :
بعيدة مهوى القرط إما لنوفل |
|
أبوها وإما عبد شمس وهاشم (٣) |
فإنه إنما أراد أن يصف هذه المرأة بطول العنق ، فلو عبر عن ذلك باللفظ الموضوع له لقال : طويلة العنق ، فعدل عن ذلك وأتى بلفظ يدل عليه وليس هو الموضوع له ، فقال :
__________________
(١) «ديوان المتنبي» (٢ / ٨٣). ضمير رجلاه لجواده.
(٢) «نقد الشعر» لقدامة بن جعفر ، ص : ١٥٥.
(٣) نوفل وعبد شمس وهاشم من أشراف قريش ، وهاشم جد النبي صلىاللهعليهوسلم. وانظر «المعجم المفصل» (٧ / ٣٧٦).