اختلافهم في معرفة اللغة ، وفهم الاصطلاح والمواضعة ، والمعاني ليس فيها شيء من ذلك ، وإنما معيارها العقل والعلم وصفاء الذهن ، ولها في الوجود أربعة مواضع : الأول : وجودها في أنفسها ، والثاني : وجودها في أفهام المتصورين لها ، والثالث : وجودها في الألفاظ التي تدل عليها ، والرابع : وجودها في الخط الذي هو أشكال تلك الألفاظ المعبر بها عنه ، وإذا كان هذا مفهوما فإنا في هذا الموضع إنما نتكلم على المعاني من حيث كانت موجودة في الألفاظ التي تدل عليها دون الأقسام الثلاثة المذكورة ، ثم ليس نتكلم عليها من حيث وجدت في جميع الألفاظ ، بل من حيث توجد في الألفاظ المؤلفة المنطومة على طريقة الشعر والرسائل وما يجري مجراهما فقط ، إذ كان ذلك هو مقصودنا في هذا الكتاب. وإذ بان هذا فإن الأوصاف التي تطلب من هذه المعاني هي الصحة والكمال والمبالغة والتحرز مما يوجب الطعن والاستدلال بالتمثيل والتعليل وغيرهما ، وسنذكر من أمثلة ذلك ما يعرب عن قصدنا ، ويوضح مرادنا.
أما الصحة في التقسيم فأن تكون الأقسام المذكورة لم يخلّ بشيء منها ولا تكررت ولا دخل بعضها تحت بعض ، ومثال هذا في النظم قول نصيب :
فقال فريق القوم لا وفريقهم |
|
نعم وفريق قال ويحك ما ندري (١) |
فليس في أقسام الإجابة عن مطلوب ـ إذا سئل عنه ـ غير هذه الأقسام ، ومنه قول الشماخ يصف صلابة سنابك الحمار وشدة وطئه الأرض :
متى ما تقع أرساغه مطمئنة |
|
على حجر يرفض أو يتدحرج |
فليس في أمر الوطء الشديد إلا أن يكون الذي يوطأ رخوا فيرضّ أو صلبا فيدفع (٢).
__________________
(١) ديوانه ٩٤ ، الكتاب ٢ / ١٤٧ ، ٢٧٣ ، المقتضب ١ / ٢٢٨ ، ٢ / ٩٠ ، ٣٣٠ الجمل للزجاج ٨٦ ، المنصف ١ / ٥٨ ، الإنصاف ٤٠٧ ، همع الهوامع ٢ / ٤٠ ، الدرر اللوامع ٢ / ٤٤ ، شرح المفصل ٨ / ٣٥ ، ٩ / ٩٢ ، مغني اللبيب ١٠١.
(٢) «نقد الشعر» لقدامة بن جعفر ، ص : ١٣١.