فأما الالف التي هي ساكنة أبدا ، فقد قالوا : إن واضع الخط : و، لا ، ى ، أتى ب «لا» على وزن ـ ما ـ لأن الألف ساكنة لا يصح الابتداء بها ، فجاء بحرف قبلها ليمكن النطق بها ويقع تمثيل ذلك ، وليس غرضه أن يبين كيف يتركب بعض هذه الحروف من بعض ، كما يقول المعلمون : لام ألف ، ولو أراد أن يبين التركيب لبينه في سائر الحروف ولم يقتصر على الألف مع اللام.
وقد قال أبو الفتح عثمان بن جنّى : إنهم إنما اختاروا لها حرف اللام دون غيره من الحروف ، لأن واضع الخط أجراه في هذا على اللفظ ، لأنه أصل للخط والخط فرع عليه ، فلما رآهم وقد توصلوا إلى النطق بلام التعريف بأن قدموا قبلها ألفا. نحو : الغلام والجارية ، لمّا لم يمكن الابتداء باللام الساكنة ، كذلك أيضا قدم قبل الألف في ـ لا ـ لاما توصلا إلى النطق بالألف الساكنة ، وكان في ذلك ضرب من المعارضة بين الحرفين.
ويمكن عندي أن يعترض على هذا القول بأن يقال : إن التي مع اللام في ـ الرجل والجارية ـ هي الهمزة ، وليست الألف الساكنة التي جاءت اللام معها في ـ لا ـ فكيف تجعل العلة في ورود اللام هنا مع الألف ورود الهمزة هناك مع اللام ، وليس بين الموضعين تناسب ولا معارضة كما ذكرت؟ وهل يصح أن يقال : إن الألف الساكنة التي لا يمكن أن يبتدأ بها في النطق بل يحتاج إلى حرف قبلها يتوصل بها إلى النطق بلام التعريف التي هي ساكنة مثلها ، وكل من الحرفين يحتاج إلى ما يحتاج إليه الآخر؟
فإن قيل : إن الهمزة التي مع اللام في ـ الرجل ـ هي ألف على الحقيقة ، وهي التي بعد اللام في قولهم ـ لا ـ وإن كانت ساكنة هناك ، قيل له : فما وجه إنكارك وإنكار أصحابك على أبي العباس المبرّد أنه لم يعتد بالهمزة في الحروف بل جعلها ثمانية وعشرين حرفا فقط (١)؟ أو ليس هذا منكم إنكارا للهمزة رأسا؟ وليس يحظر أن يجاب عن هذا الكلام إلا بأن كافة النحويين يطلقون على الهمزة التي مع لام التعريف أنها
__________________
(١) قد يجاب عن هذا بأنه خاص بهمزة الوصل ، فهي ألف على الحقيقة دون همزة القطع.