وأما الذي نقوله من تفضيل النثر على النظم : فهو أن النثر يعلم فيه أمور لا تعلم في النظم ، كالمعرفة بالمخاطبات ، وبينة الكتب والعهود والتقليدات ، وأمور تقع بين الرؤساء والملوك يعرف بها الكاتب أمورهم ، ويطلع على خفيّ أسرارهم ، وأن الحاجة إلى صناعة الكتابة ماسة ، والانتفاع بها في الأغراض ظاهر ، والشعر فضل يستغنى عنه ولا تقود ضرورة إليه ، وأن منزلة الشاعر إذا زادت وتسامت لم ينل منها قدرا عاليا ، ولا ذكرا جميلا ، والكاتب ينال بالكتابة الوزارة فما دونها من رتب الرياسة ، وصناعة تبلغ بها إلى جميلا ، والكاتب ينال بالكتابة الوزارة فما دونها من رتب الرياسة ، وصناعة تبلغ بها إلى الدرجة الرفيعة أشرف من صناعة لا توصل صاحبها إلى ذلك ، وإن أكثر النظم إذا كشف وجد لا يعبر عن جدّ ، ولا يترجم عن حق ، وإنما الحذق فيه الإفراط في الكذب ، والغلوّ في المبالغة ، وأكثر النثر شرح أمور متيقنة وأحوال مشاهدة ، وما كثر فيه الجدّ والتحقيق أفضل مما فيه المحال والتقريب ، وقد يتسع الكلام فيما لا يخرج عن هذا الفن ، وهذه الجملة كافية في مثل هذا الوضع.