ويكون الفعل بعدها ماضيا كثيرا ، ومضارعا دون ذلك ، وقد اجتمعا في قول أبي ذؤيب [من الكامل] :
١٣٠ ـ والنّفس راغبة إذا رغّبتها |
|
وإذا تردّ إلى قليل تقنع |
______________________________________________________
الشرط (ويكون الفعل بعدها) أي : بعد إذا الشرطية (ماضيا كثيرا ومضارعا دون ذلك) أي قليلا ويحتمل أن يكون مراده أن الأول كثير جدا وأن الثاني كثيرا أيضا ، لكن دون تلك الكثرة ولذا لم يقل قليلا (وقد اجتمعا في قول أبي ذؤيب) الهذلي.
(والنفس راغبة إذا رغبتها |
|
وإذا ترد إلى قليل تقنع) (١) |
وجاء بالمسند من قوله والنفس راغبة اسما لإفادة أن رغبتها في الكثير من الدنيا أمر ثابت لها دائم ، وأتى بالماضوية في إذ رغبتها لإبراز غير الحاصل في معرض الحاصل ؛ لقوة الأسباب المتآخذة في حصوله ، أو أتى بها لإظهار الرغبة في حصول الشرط ، ولما كانت قناعتها بالقليل وردها إليه ليسا بهذه المثابة أتى فيها بالمضارع ، وهذا البيت من جملة قصيدة لأبي ذؤيب المذكور يرثي بنين خمسة ماتوا في عام واحد بالطاعون ، ومات هو في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه ، وقبل هذا البيت :
أمن المنون وريبه تتوجع |
|
والدهر ليس بمعتب من يجزع |
أودى بني وأعقبوني حسرة |
|
تنفي الرقاد وعبرة ما تقلع |
فالعين بعدهم كأن حداقها |
|
سملت بشوك فهي عور تدمع |
سبقوا هوي وأعنقوا لهواهم |
|
فتخرموا ولكل جنب مصرع |
ولقد حرصت بأن أدافع عنهم |
|
وإذا المنية أقبلت لا تدفع |
وإذا المنية أنشبت أظفارها |
|
ألفيت كل تميمة لا تنفع |
وتجلدي للشامتين أريهم |
|
أني لريب الدهر لا أتضعضع |
حتى كأني للحوادث مروة |
|
لصفا المشرق كل يوم تقرع |
والنفس راغبة البيت ، وليس بمعتب أي : مرض يقال : أعتبه إذا أرضاه ، وأودى هلك ، والحداق جمع حدقة وهي سواد العين ، وسملت بسين مهملة فقئت ، وهوى أي هواي فقلب الألف ياء وأدغم على لغة هذيل ، وأعنقوا أسرعوا فتخرموا بالبناء للمفعول ، أي : أخدوا يقال تخرمته
__________________
(١) البيت من البحر الكامل ، وهو لأبي ذؤيب في الدرر ٣ / ١٠٢ ، وبلا نسبة في همع الهوامع ١ / ٢٠٦.