لأن الكلام لم يقع على الواحد والاثنين والجمع ، فثنى الضمير الراجع إليها ، حملا على المعنى ، كما يعود الضمير جمعا في «من» حملا على معناها. وقال الفارسيّ : إنما جازت من حيث كان يفيد العدد ، مجردا من الصغير والكبير.
ـ (السادس) : ألاّ يعود على مذكور ، ولا معلوم بالسياق أو غيره وهو الضمير المجهول الذي يلزمه التفسير بجملة أو مفرد ، فالمفرد في نعم وبئس ، والجملة ضمير الشأن والقصة ، نحو هو زيد منطلق ، وكقوله [تعالى] : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (الإخلاص : ١) ، [أي] (١) الشأن الله أحد. وقوله : (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) (الكهف : ٣٨) وقوله : (أَنَا اللهُ) (طه : ١٤) وقوله : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ) (الحج : ٤٦).
وقد يكون مؤنثا [إذا كان عائده مؤنثا] (١) ، كقوله [تعالى] : (إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا) (الأنعام : ٢٩) ، وأما قوله تعالى : (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ) (طه : ٧٤) فذكّر الضمير مع اشتمال الجملة على جهنم وهي مؤنثة ، لأنها في حكم الفضلة ، إذا المعنى : من يأت ربه مجرما يجزه جهنم. ٤ / ٣٠
(تنبيه) : والفرق بينه وبين ضمير الفصل أن الفصل يكون على لفظ الغائب والمتكلم والمخاطب ، قال تعالى : (هذا هُوَ الْحَقَ) (الأنفال : ٣٢). (كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ) (المائدة : ١١٧). (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً) (الكهف : ٣٩) ، ويكون له محل من الإعراب ، وضمير الشأن لا يكون إلا غائبا ويكون مرفوع المحلّ ومنصوبه ، قال تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (الاخلاص : ١). (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ) (الجن : ١٩).
البحث الثالث : قد يعود على لفظ شيء ، والمراد به الجنس من ذلك الشيء ، كقوله تعالى : (وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً) (البقرة : ٢٥) ؛ فإن الضمير في «به» يرجع إلى المرزوق في الدارين جميعا ؛ لأن قوله : (هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ) (البقرة : ٢٥) مشتمل على ذكر ما رزقوه في الدارين. قال الزمخشريّ (٢) : ونظيره : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما) (النساء : ١٣٥) ، أي بجنس الفقير والغني ، لدلالة قوله : (غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً) على الجنسين ، ولو رجع إلى المتكلم به لوحّده.
__________________
(١) ليست في المخطوطة.
(٢) انظر «الكشاف» ١ / ٣٠٤ عند تفسير الآية (١٣٥) من سورة النساء.