رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) (الجمعة : ١١). وقوله : (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً) (النساء : ١١٢) ، لأن الإخبار عن أحدهما لوجود لفظه ، أو هي لإثبات أحد المذكورين ، فمن جعله نظير هذا فلم يصب إلا أن يدّعي أنّ «أو» بمعنى الواو.
وفي هاتين الآيتين لطيفة ، وهي أنّ الكلام لما اقتضى إعادة الضمير على أحدهما ، [أعاده] (١) في الآية الأولى على التجارة ، وإن كانت أبعد ومؤنّثة ، لأنها أجذب لقلوب العباد عن طاعة الله من اللهو ، بدليل أن المشتغلين بها أكثر من اللهو ، ولأنها أكثر نفعا من اللهو. أو لأنها كانت أصلا واللهو تبعا ، لأنه ضرب بالطبل لقدومها على ما عرف من تفسير (٢) الآية. وأعاده في الآية الثانية على الإثم ، رعاية لمرتبة القرب والتذكر.
الخامس : قد يذكر شيئان ، ويعود الضمير جمعا ؛ لأن الاثنين جمع في المعنى ، كقوله تعالى : (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) (الأنبياء : ٧٨) ، يعني حكم سليمان وداود. وقوله : (أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ) (النور : ٢٦) ، فأوقع «أولئك» وهو جمع ، على عائشة وصفوان بن المعطّل (٣).
[البحث] (٤) السادس : قد يثنى الضمير ويعود على أحد المذكورين ، كقوله تعالى : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) (الرحمن : ٢٢) ، قالوا : وإنما يخرج من أحدهما. وقوله : (نَسِيا حُوتَهُما) (الكهف : ٦١) وإنما نسيه الفتى.
السابع : قد يجيء الضمير متّصلا بشيء وهو لغيره ، كقوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) (المؤمنون : ١٢) ، يعني آدم ، ثم قال : (ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً [فِي قَرارٍ]) (٥)
__________________
(١) ليست في المخطوطة.
(٢) ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ص ٢٨٦ عند تفسير الآية من سورة الجمعة ، ونصه «أصاب أهل المدينة أصحاب الضرر رجوع وغلاء سعر فقدم دحية بن خليفة الكلبي في تجارة من الشام ، وضرب لها طبل يؤذن الناس بقدومه ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم يخطب يوم الجمعة فخرج إليه الناس فلم يبق في المسجد إلا اثنا عشر رجلا منهم أبو بكر وعمر فنزلت هذه الآية فقال النبي صلىاللهعليهوسلم والذي نفس محمد بيده لو تتابعتم حتى لم يبق أحد منكم لسال بكم الوادي نارا» ، وأصل هذا الحديث مخرّج في الصحيحين دون ذكر ضرب الطبل.
(٣) هو صفوان بن المعطل بن ربيعة (بالتصغير) ، سكن المدينة وشهد صفوان الخندق والمشاهد ، جرى ذكره في حديث الإفك المشهور في الصحيحين ، وفيه قول النبي صلىاللهعليهوسلم «ما علمت عليه إلا خيرا» ومات شهيدا (ابن حجر ، الإصابة ٢ / ١٨٤).
(٤) ليست في المخطوطة.
(٥) ليست في المطبوعة.