نحو ليس زيد قائما ولا ذاهب ، بجرّ «ذاهب» ، وهو معطوف على خبر «ليس» المنصوب باعتبار جرّه بالباء لو دخلت عليه ، فالجر على مفقود ، [وعامله وهو الباء مفقود أيضا ؛] (١) إلا أنه متوهّم الوجود لكثرة دخوله في خبر ليس ؛ فلما توهّم وجوده صحّ اعتبار مثله ؛ وهذا قليل في (٢) كلامهم.
(وقيل) : إنه لم يجيء إلاّ في الشعر ؛ ولكن جوّزه الخليل وسيبويه في القرآن ، وعليه خرّجا قوله تعالى : (فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) (المنافقون : ١٠) ؛ كأنه قيل : «أصدق وأكن» (٣). (وقيل) : هو من العطف على الموضع ؛ أي محل «أصدّق».
والتحقيق قول سيبويه : هو على توهّم أن الفاء لم ينطق بها.
واعلم أن بعضهم قد شنّع القول بهذا في القرآن على النحويين ، وقال : كيف يجوز التوهّم في القرآن! وهذا جهل منه بمرادهم ؛ فإنه ليس المراد بالتوهّم الغلط ؛ بل تنزيل [٢٦٩ / ب] الموجود [منه] (٤) منزلة المعدوم ؛ كالفاء في قوله تعالى : (فَأَصَّدَّقَ) ليبنى على ذلك ما يقصد من الإعراب.
وجعل منه الزمخشريّ (٥) قوله تعالى : (وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) (هود : ٧١) ، في من فتح الباء (٦) ، كأنه قيل : «ووهبنا له إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب» على طريقة :
... ليسوا مصلحين عشيرة |
|
ولا ناعب .... (٧) |
__________________
(١) ليست في المخطوطة.
(٢) في المطبوعة (من كلامهم).
(٣) انظر قول سيبويه والخليل في «الكتاب» ٣ / ١٠٠ ـ ١٠١ باب الحروف التي تنزل بمنزلة الأمر والنهي.
(٤) ليست في المخطوطة.
(٥) انظر «الكشاف» ٢ / ٢٢٥ عند تفسير الآية من سورة هود.
(٦) قال ابن الجزري في «النشر» ٢ / ٢٩٠ عند سورة هود : (واختلفوا في (يَعْقُوبَ) فقرأ ابن عامر وحمزة وحفص بنصب الباء وقرأ الباقون برفعها).
(٧) تمام البيت :
مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة |
|
ولا ناعب إلا بشؤم غرابها |
ذكره ابن منظور في «لسان العرب» ١٢ / ٣١٤ مادة «شأم» وعزاه للأحوص اليربوعي وقال فيه : (ردّ «ناعبا» على موضع «مصلحين» وموضعه خفض بالباء ، أي ليسوا بمصلحين) ، وذكر البيت المرزوقي في «شواهد الكشاف» ص ١٣٥ حرف الهاء ، وفيه (إلا ببين غرابها) وعزاه لأبي المهدي ، ثم قال (وروي : إلا بشؤم).