فى اليوم التالى جدد بوسارى الموضوع نفسه ، وأبدى ملاحظة مفادها أن العيش بين الجنود أمر يصيب الإنسان بالسأم والملل ، فى غياب وسائل الراحة أو التسلية أو التعارف على الناس ، أو حتى معرفة اللغة التركية ، كما هو الحال بالنسبة لى. وافقت على ما قاله الرجل ، لكنى أضفت قائلا : إن جهلى بما يريده الباشا ، هو الذى يجعلنى عاجزا عن اتخاذ أى قرار أو البت فى أى أمر من الأمور. وقد أوصل ذلك بوسارى إلى ما أبتغيه وأريده أنا ، قال بوسارى : إذا كان هذا هو الحال فسوف أكلّم جلالته ، إذا ما كانت هذه هى رغبتك فى هذا الأمر. وفعل بوسارى ذلك فى المساء قبل ذهابى إلى القلعة ، وهنا أبلغنى الباشا خلال حوارنا ، أنى مادمت أود تمضية الأيام الأخيرة من رمضان فى مكة (هذا الاقتراح كان نابعا من بوسارى نفسه) فالأفضل لى هو اللحاق بجماعة القاضى الذى قرر الذهاب إلى مكة إلى حلول العيد ، وأنه سوف يسعد برفقتى له. كان ذلك على وجه التحديد الظرف الذى كنت أتمناه وأنتظره ، وتحدد سفر القاضى اليوم السابع من شهر سبتمبر ، وهنا استأجرت حمارين ـ وهذه هى طريقة النقل المعتادة فى هذا البلد ـ لكى أتبع القاضى.
لما كنت انتويت المضى قدما بعد ذلك إلى المدينة [المنورة] التى كان طوسون باشا ولد محمد على حاكما عليها ، فقد التمست إلى بوسارى أن يطلب من الباشا فرمانا أو جواز سفر ، يرخص لى بالتجوال فى سائر أنحاء الحجاز ، فضلا عن خطاب تزكية لولده طوسون ، وردا على هذا الطلب أبلغنى بوسارى أن الباشا لا يود التدخل شخصيا فى مسألة أسفارى ، وأنى بوسعى التصرف كما أشاء وعلى مسئوليتى الخاصة ، وأن معرفتى للغة العربية تجعل الفرمان غير ذى بال. هذا القول كان كما لو كان الباشا يقول لى : «افعل ما تشاء ، وأنا سوف لا أعرفك أو أسهّل مخططاتك». وجاء ذلك فى واقع الأمر كما كنت أريده أو أبتغيه فى الوقت الراهن.
فى اليوم السادس من شهر سبتمبر ، استأذنت الباشا الذى أبلغنى عند الرحيل ، أننى إذا ما حملتنى أسفارى إلى الهند ، فإننى يتعين علىّ إبلاغ الشعب الإنجليزى هناك أنه مرتبط ارتباطا وثيقا بمصالح تجارة الهند. وفى صبيحة اليوم السابع من