الآراء كانت متأصلة فى واقع الأمر وراسخة ، وجرى تعزيزها من قبل البعثة الفرنسية فى مصر. أردف محمد على قائلا : «أنا صديق الإنجليز» (هذا الكلام إذا ما صدر عن تركى إلى مسيحى ، لا يدل على شىء سوى تخوفه من ذلك المسيحى أو أنه يريد نقوده). «وأنا أصدقك القول إننا نشاهد بين كثير من عظماء الرجال قدرا كبيرا من المجاملات وشيئا قليلا جدا من الصدق والإخلاص ، وأنا آمل ألا يهجموا على مصر أثناء وجودى فى الحجاز ، وأنا لو قدر لى شخصيا أن أكون هناك ، فسوف أقاتل ، وهذا هو أضعف الإيمان ؛ كيما أكون راضيا عن مشاركتى أنا شخصيا فى القتال من أجل ممتلكاتى. أنا لا أخاف السلطان (أكد محمد على على هذه العبارة مرارا ، لكنى يراودنى شك كبير فى إخلاص الرجل وولائه) ، وأنا أعرف جيدا كيف أبزه وأتفوق عليه فى إجراءاته كلها. أى جيش يجىء من سوريا لا يمكن له أن يهاجم مصر عن طريق البر بأعداد كبيرة ، نظرا لقلة عدد الإبل ، يزاد على ذلك أن الفيالق المنفصلة أو المستقلة يمكن تدميرها بسهولة ويسر فور عبورها الصحراء».
انتهزت الفرصة وقلت لمحمد على : إنه يشبه ذلك الشاب الذى معه فتاة جميلة ، وهو على الرغم من تأكده من حبها له فإنه يغار عليها من الغرباء. أجابنى قائلا : كلامك جميل وأنا أحب مصر حبا جما ، أحبها حب العاشق لها ، وأنا إن قدر لى أن تكون لى عشرة آلاف روح ، فسوف أضحى بكل هذه الأرواح من أجل أن تبقى لى مصر».
سألنى عن الحال التى وجدت عليها الصعيد ، وهل كان ولده إبراهيم (حاكم الصعيد) محبوبا أو لا فى هذه المنطقة؟ وأجبته بلغة الحقيقة قائلا : إن رؤساء القرى كلهم يكرهون ولده (لأنه أجبرهم على التخلى عن معاملتهم القاسية مع الفلاحين) ، لكن الفلاحين أنفسهم كانوا متعلقين تماما بولده إبراهيم (واقع الأمر أن القمع مهم فى الوقت الراهن ، وبعد أن كان يجرى قبل ذلك على أيدى المماليك ، وعلى أيدى الكاشفين ، وعلى أيدى شيوخهم ، أصبح يجىء عن طريق مستبد أو طاغية واحد هو الباشا نفسه ، الذى يضع حكام المناطق تحت إمرته وسيطرته).